وهي مستودع الفطرة والانطباعات السابقة، وهي نفسها تسير الآن متلبسة بمظهر الاختيار. وما العقل الباطن كما دلت التجارب إلا الحوافز التي وجدت في الأجداد ونمت على اتجاه مقدور أيضاً زمن الطفولة. وهذه الحوافز تكمن فيها فطرة الأمم لأنها أداة شعورها بالحياة. وما دام الأمر كذلك فهو يرى أن سعادة المجتمع العربي في ملاءمته لما فطر عليه هي الغيبيات لأنها استلهام للروح العليا
كلام كما تراه يخترمه التناقض ومجانبة الحقائق. ومع ذلك فلننظر فيه
من المعلوم أن الإنسان بتكوينه الطبيعي يستجيب للمؤثرات الداخلية والخارجية استجابة ذاتية وهذه الاستجابة مرتبطة فيه بأنصاف الكرات المخية التي هي أعضاء رد الفعل في الإنسان. وترتبط بهذه الأنصاف الكروية المخية الوراثة والعقل الباطن. بيان ذلك أننا لو أتينا بكلب ووضعنا أمامه قطعة من الحلوى فان لعاب الكلب يسيل. هذه الظاهرة تحدث بتأثر ذاتي في الكلب ومن غير أن يكون للتجربة يد في تغييره أو تكوينه؛ ومن هنا تعتبر فعلاً عكسياً أصيلاً. وهذه الأفعال العكسية الأصيلة هي ما كنا نسميها من قبل بالغرائز. فالغرائز مجموعة من الأفعال العكسية مندغم بعضها في بعض كما هو الحال في غريزة بناء الطيور لأعشاشها. غير أن هذا الفعل العكسي الأصيل وإن كان يحدث بقاسر ذاتي في الأحياء العضوية لا يتغير فإن ذلك وقف على الأحياء الدنيا. أما في الأحياء العليا في سلم المملكة الحيوانية فان سلوك هذه الحيوانات وإن كان مرتكزاً على استجاباتها بقواسر ذاتية للمؤثرات فإنها تستفيد من التجارب، إذ تترك التجارب أثراً بيناً في سلوكها. والإنسان كأحد أصناف المملكة الحيوانية العليا يخضع لنفس هذه السنن. والأفعال العكسية المستفادة من التجارب مؤصلة لأنها مكتسبة يكتسبها الحي من ظروف حياته كنتيجة لما يلابسه من مؤثرات؛ وهذه الأفعال تختفي وتضمحل إذا ما تغايرت المؤثرات. ولما كانت الأفعال العكسية في الأصل تحدث بقاسر ذاتي مصحوبة بحركة انفعالية جاز لنا أن نعتبر الأفعال العكسية المؤصلة - وهي المستفادة من التجارب - كنمو ارتفاقي في الأفعال العكسية الأصيلة.
ولما كانت هذه الأفعال تقوى وتضمحل وتضعف وتتغاير باضمحلال المؤثرات وتغايرها، فإن مراكزها في الكرات النصفية المخية تكون قابلة لدرجة قليلة أو كبيرة لإمكان تكون