لنخرج إلى البرية جميعا نساؤنا وأطفالنا على الحمير، وقد لبس النساء الحلي التي استعرنها من جاراتهن المصريات. وفي الليلة الموعودة خرجنا نغطي وجه الأرض نحو البرية.
وكان الخوف يملأ قلوبنا من جنود فرعون أن تلحق بنا، فعبرنا إلى الصحراء من أقرب طريق، وخضنا في البحر بإذن الله وبركة ذلك الرجل المبارك (موسى). وتنفسنا الصعداء عند العيون التي حولها النخيل، عندما رأينا جيش فرعون قد عجز عن اللحاق بنا وعاد أدراجه بعد أن غرق منه عدد كبير. ويقال ان فرعون نفسه كان من الذين غرقوا في المياه. غير أن الحرية لا تعطي طعاما ولا ماء. فلما أكلنا الزاد الذي كان معنا بدأنا نفكر في موقفنا، وخرجنا إلى (موسى) نطلب منه أن يعطينا خبزا ولحماً.
أعطانا موسى كل ما معه، وقال لنا اقتصدوا ولا تأكلوا كثيرا ولكنا لم نقدر أن نمنع الأطفال والنساء من الأكل والشرب، ولم نقدر أن نمنع بكاءهم عندما نفذ ما كان معنا من الزاد، فقمنا بعد أسبوع من الجوع والعطش وطلبنا من (موسى) أن يطعمنا. وصرخنا له (أعدنا إلى مصر. أعدنا إلى العبودية. الإنسان قد يحيا مع العبودية. ولكنه يموت حتما بلا طعام. نريد الحياة ولو مع العبودية. لا نريد الموت في هذه الحرية وسط الصحراء).
لقد غضب موسى وظهر عليه الغيظ، وكلمنا كثيرا ولكن لم يكن لقوله ذلك الأثر الذي اعتدنا أن نجده في نفوسنا عندما كنا نسمع ألفاظه. وزاد صراخنا وعزم بعضنا على الرجوع.
وفي الصباح التالي ذهبنا إلى موسى لنخبره بأننا سنعود إلى مصر لنأكل من طعامها، فوجدناه يصلي ثم أقبل علينا ووجهه يتهلل وقال (اذهبوا إلى ذلك الوادي) وأشار بيده إلى جهة الشروق. (وهناك تجدون كثيرا من الحب على الأرض. فاطحنوه وكلوا منه فانه مثل الحنطة إذا عجنت بالزيت) ثم أشار إلى السماء وقال (انظروا إلى هذه الطيور الكثيرة الآتية من البحر. أنها تقع على الأرض عند أول وصولها إلى البحر فاذبحوا منها وكلوا فان هذا رزق حلال قد أرسله الله إليكم)
سرنا بعد ذلك في البرية نأكل من هذا الطعام ولكنا كنا كل يوم أشقى مما كنا في اليوم الذي قبله. فأين طعام مصر؟ وأين زيتها الكثير وأعشابها الخضراء المسمنة؟ وأين ماؤها العذب.