عام لمسته في كل مكان، وقد قال لي البطريرك نفسه إن الطبقات الفقيرة إنما تعتبر الدين واسطة اقتصادية. وقد أخذ أفراد هذه الطبقات في اتباع الكنيسة التي تقدم لهم أكبر مساعدة مالية بصورة مباشرة أو بشكل صدقة. وقد اعترف لي بأن كل الكنائس في سورية قد بدأت تشعر بوطأة ضعف الشعور الديني
حديث فخري البارودي
إن المعروف عن فخري البارودي أن الجماهير تحبه حباً لا يشاركه فيه غيره من رجال السياسة في سورية، وهو نائب دمشق وزعيم الشباب السوري. وقد طلب مني أن أزوره ذات صباح في (مكتب فخري البارودي) المشهور. ولما فعلت استقبلني عند الباب عدد من الشبان ألقوا علي بعض الأسئلة، ثم قادوني إلى باحة داخلية نفذنا منها إلى غرفة كبيرة فارغة نصبت في إحدى زواياها منصة صغيرة جلس فوقها فخري البارودي وراء مكتب صغير يستقبل الزائرين الذين كانوا يساقون إليه الواحد بعد الآخر، فإذا اقترب منه أحدهم مال إلى أذنه وهمس بعض الكلمات بحيث لم يستغرق حديث الشخص الواحد أكثر من دقيقة. إن هذه الحالة حملتني على الظن بأن هناك مؤامرة تحاك لا نائباً يستمع إلى مطالب ناخبيه
ولحظت خارج الغرفة بعض الشبان وهم يرتدون الخوذ والقمصان الرمادية اللون ويرفعون الأيدي بالسلام الفاشستي، وكلهم متلهف لتلقي أوامر القائد، فتنبهت إلى أن هذا المكتب هو في نفس الوقت مركز أول هيئة عسكرية لتنظيم الشباب في سورية وهي فرق القمصان الحديدية.
لم أجد في مظهر فخري البارودي ما يبرر نفوذه السياسي وتعلق الشباب به، فهو رجل نحيف قصير القامة قد تجاوز الخمسين من العمر، وهو في شكله وحركاته وسكناته يمثل سكان الشرق الأدنى أحسن تمثيل. شعره خفيف وغير مرتب، وهو ذو حيوية عصبية هائلة تجعله يقفز من هنا إلى هناك بسرعة واستمرار. ولكني مع ذلك لم أشك قط في إخلاصه الملتهب الذي لمسته فيه أثناء الحديث فرفعه في نظري وجعله ذا شخصية جذابة بعد أن كنت أميل إلى الظن بأنه لا يختلف عن أي سياسي عادي كثير الكلام والحركة.
ولما انقطع حبل الزائرين أخذني إلى غرفته الخاصة في الطابق العلوي حيث سألته: