وأجمع أمره على أن يتزوجها لينعما بالحب ويحققا المثل الذي ينشدانه من زمان؛ وكان قد مضى على الباب المغلق بينه وبين الفتاة المسماة عليه بضع عشرة سنة. . فما يذكرها ولا يفكر فيها. . وكان نائما يحلم حين ترامى الخبر إلى أبيه بما أجمع أمره عليه، فما وجد أبوه وسيلة إلا بتعجيل زفافه إلى بنت خاله وفاء بوعد مضى في ذمة التاريخ. . .!
غضب الفتى واحتج وثارت كبرياؤه ورجولته أن ينزل على رأي أبيه في شأن هو من خاصة شئونه؛ ولكن الكثرة من أعمامه وأخواله قد أرغمته على إرادته، وساقته في عماية إلى دار خاله ليزف على عروسه ثم يصحبها في السيارة من ليلته مرغما إلى بيته في القاهرة. . . وابتدأت المشكلة. . .
. . . هذه الفتاة هي بنت خاله، وهي زوجه أمام الله والناس، ولكنه لا يحبها؛ ولكنه لا يطيق أن ينظر إليها؛ ولكن فتاة أخرى تنتظر؛ وأن عليه واجبا تحتمه عليه رجولته. . .
وما أطاق أن يمنحها نظرة أو يبادلها كلمة على طول الطريق حتى بلغت السيارة بهما الدار في القاهرة. . . كانت إلى جانبه ولكنه هناك، عند صاحبته التي فتنته واستولت عليه؛ فما نظر إلى وجه زوجه لأول مرة منذ بضع عشرة سنة إلا حين همت أن تنزل من السيارة لتدخل داره. . .
وكان حريا أن تثوب إليه نفسه حين نظر إليها فيعود إلى الحقيقة التي كتب عليه القدر أن يعيش فيها، ولكنه لم يفعل، وما رأى زوجته حينئذ إلا سجانه الذي يحرمه أن يستمتع بالحرية التي وهبها له الله يوم وهب له الحياة، وتأرَّثت في نفسه البغضاء من يومئذ لهذه المسكينة. . .!
وعاشت في بيته بضعة أشهر كما يعيش الضيف: لا يقاسمها الفراش، ولا يؤاكلها على المائدة، ولا يؤنسها من وحشتها بكلمة. . . فما تراه ولا يراها إلا في الصباح حين يخرج إلى عمله، وفي المساء حين يعود إلى داره قبيل منتصف الليل، وما كان بينهما من صلة تجمعهما إلا البغضاء التي تؤج في صدره، والحسرة التي تتسايل دموعا من عينيها، وإلا هذه الخادم التي تقوم لسيدها بشئونه وتقوم لها. . .
ولم يفتر صاحبنا عن لقاء صاحبته والاختلاف إلى ملتقاهما؛ على أن ذلك لم يزده إلا ولوعاً بحبيبته وتبرما بزوجته. . .