ومضت الأيام تباعد من ناحية لتقرب من ناحية، حتى جاء اليوم الذي وجد صاحبنا فيه أنه غير قادر على احتمال هذه الحياة أكثر مما احتمل. . . فمضى يدبر أمرا للخلاص من هذه المشكلة، ولكن المشكلة زادت تعقيداً على الأيام ولم يجد وسيلة إلى الحل. . .!
كان كل طريق يفكر فيه للخلاص محفوفاً بأشواك؛ فلا هو يرضى أن يطلق زوجه، ولا هو يطيق أن يهجر حبيبته، وليس في استطاعته أن يجمع على نفسه همين؛ وكان تفكيره في ذلك هماً ثالثاً يضنيه وينهك أعصابه ويعرق عظامه!
وكتب إلى الرافعي يستفتيه في مشكلته. . .
كنت مع كامل حين كتب قصته إلى الرافعي؛ وفي مساء اليوم التالي كنت في مجلس الرافعي بطنطا وبين يديه قصة صاحب المشكلة لم يفض غلافها بعد. . .
وقرأ الرافعي الرسالة ثم دفعها إليَّ وهو يقول:
(ماذا ترى حلَّ هذه المشكلة؟)
قلت: (لقد جهدت جهدي قبل اليوم فما أفلحت!)
قال: (أو تعرف صاحب المشكلة إذن. . .؟)
قلت: (نعم، وما كتب إليك هذه الرسالة إلا برأيي)
وأطرق الرافعي هنيهة يفكر وفمه إلى الكركرة (الشيشة) كما هي عادته حين يستغرقه الفكر، ثم رفع رأسه إلى قائلا: (تعرف؟ إن صاحبك لمفتون بصاحبته إلى درجة الحمق والسفه، وما تنحل هذه المشكلة إلا أن يكون له مع نفسه إرادة صارمة، وأن يكون له سلطان على هواه، وهيهات أن يكون له! فما هنا إلا وسيلة واحدة ترده إلى رشاده فتنحل المشكلة. . .)
قلت: (فما هذه الوسيلة؟)
قال: (أن تدخل بينه وبين صاحبته دخول الشيطان فتفرق بينهما. . . أتراك تستطيع؟)
فضحكت وقلت: (ثم ماذا؟)
قال: (فإذا بدا له من سيئاتها ما ينكر، وإذا بدا لها. . . انتهى ما بينهما إلى القطيعة فيعود إلى زوجه نادماً، وإن مرور الأيام لخليق أن يؤلف بينهما من بعد!)
قلت: (فهمت، ولكن ماذا تراني أقول حتى أبلغ من نفسه ومن نفسها ما تريد؟ وهبني