ثم تأخذ الشاعر النشوة وأي نشوة، ويهز أعطافه الطرب وأي طرب، فيغني طائره المغني أمتع الغناء وأعذبه:
الليل يا كروان=بشراك طاب الأوان
بشراك؟ بل أنت بشرى ... تهفو لها الإذان
ان كان في السمع طيف ... فأنت يا كروان
صوت ولا جثمان ... لحن ولا عيدان
كأنه هاتف في ... فضائه حيران
أو رجع صوت قديم ... يعيده الحسبان
ليل الطبيعة صمت ... وأنت فيه لسان
وظلمة الليل سر ... فاقرأه يا ترجمان
واملأ من الليل نفسا ... عزيزة لا تهان
لا هتفة فيه تبقى ... إلى غد أو إذان
الليل يا كروان ... والعالم الغفلان
ونسمة الصيف تسري ... وفي يديك العنان
والصبح أول مرسى ... يرتاده الركبان
الليل يا كروان! ... الصبح يا كروان!
وهنا يحسن بي الصمت هنية تاركا في سمعي ومسامع القراء، وفي نفوسنا المتضعضعة السكرى جميعا، هذه الأصداء المشجية والمعاني السرية المجلوة
ننتقل بعدئذ إلى بقية الديوان، لا للكلام عنه - فأن الشعر الغنائي حظه الأجدر به الإنشاد والتطريب، لا المبالغة في الدرس والتنقيب - وإنما لنومئ إيماءة المعجب المسحور بطرف البنان، إلى بعض المقطوعات الغرر الحسان، أمثال: - جمال يتجدد - بما فيه من فلسفة للحب عميقة الأثر غنية. .، - واليوم الموعود - للمحب المشوق إليه شوق لاعج يتعجله الأيام، ولو اختلت سيرة الشموس، وانفرط نظام الدهر. . . .، و - الثوب الأزرق - وهو آية في الطلاوة وظرف الهندام وملاحة القالب،. . . و - الحب المثال - وقد خلعت المحبة بقدرتها الخالقة على كيان المحبوب شتى السمات والشكول، كلما اقترح الخيال المتفنن،