للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهفت بدوات الهوى المتقلب، وخيلت مقادير الأحلام. .، و - قبلة من غير تقبيل - ما للمجتمع عليها من رقابة، ولا له إليها من سبيل. . .، وذلكم الإحصاء المنمق البديع بعنوان - تسلم - وبمقتضاه يسلم الشاعر المهجور محاسن الدنيا ومجالي فتنتها لهاجره، ويسردها بين يديه، في يوم عودته كما خلفها يوم قطيعته، فالشاعر لم يفد منها متعة ولا معنى، ولم يعرف لها استعمالا، كأنما كانت الدنيا هامدة واقفة الحركة أثناء هذه الغيبة المريرة. .، ثم - حلم اليقظة - و - كلماتي - و - بلدي - و - سريان روح - و - صنوف الحب - وهذه جميعا كما ترى أغاني حب ترى فيها الشاعر عاكفاً على الجمال كأنه العابد المتبتل، يمسح بيده الملتهبة على تمثاله، ويتدله في لثمه وتقديسه، ومع هذا الاستغراق من الشاعر في حسه، وتهالكه على حبه، فليس في غزله أثر للترقق المخنث، والاسترخاء المهين والتباكي الهازل، كما أن هذه العبادة الوثنية في الشاعر للأشكال المحسوسة والصور المفرغة، مقرونة على الدوام بالتصعيد المعنوي والتجريد الروحي، فلا محسوس عنده إلا يشف عن معنى ويقوم رمزا على فكرة، ولا معنى عنده إلا يبرز في محسوس ويتجسد فيه

وهاكم ما يقوله صاحبنا نفسه في ما يسميه - الفن الحي أو الحياة الفنية -:

خذ من الجسم كل معنى، وجسم ... من معاني النفوس ما كان بكرا

حبذا العيش يبدع الفكر جسما ... ويرى للحياة فناً وشعرا

ويرى الفن كالحياة حياة، ... ويرى للحياة فناً وشعرا

ضل من يفصل الحياتين جهلا، ... واهتدى من حوى الحياتين طرا

ونحب، ونحن بمعرض الإشارة إلى أغاني الغزل، أن نعرض تحت أنظار شاعرنا الكبير أن بعض المقطوعات كالمنديل والفنجان والرقية وساعي البريد لا تقع في نفوسنا موقع سائر أغانيه، ولسنا نجهل أن من بين شعراء الشرق والغرب من عالجوا أمثال هذه العادات الشعبية والمواضيع الدارجة في شعرهم ولكنها بعد دون العقاد، وتناولها على هذه الصورة فيه ترخص ظاهر

ونزيد بهذه المناسبة - أن بالديوان منظومة عن البيرة على لسان طفل، وهي في وهمنا وبحسب ذوقنا محسوبة على الفكاهة ولا فكاهة فيها، وليست من الفكاهة في قليل ولا كثير،. ونحن نعرف للعقاد غيرها كثيرا أبدع في نوعه منها وأفكه، وقد ترفع الأستاذ عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>