ونحسب في تعليل ما تقدم أن سهولة النظم، وسرعة استجابة اللفظ، ولين أداة التعبير في قبضة صناع اليدين مثله، جعلته ينظم كل خاطرة ترد على ذهنه في شتى المناسبات. ولو أنه يعاني في النظم صعوبة وعنتا لأدخر الجهد الناصب لما هو أولى به من موضوعات وأحاسيس احتضنها ورخم عليها طويلا كعهدنا به أبدا. على أنه من حق الشاعر الكبير الذي يرضينا بنيف ومائة وخمسين صفحة أن يكون له رأيه وحريته في بضع صفحات، إذا هي لم ترعنا فلعلها ترضي الآلاف من قرائه ذوي الفضل، وترضيه هو من ناحية فنية لم نعرفها بعد، أو لما يعلق بها عنده من ذكريات شخصية غإليه
بقيت كلمة إعجاب بقصيدتين إلى صديقين يوجه في إحداهما تهنئة وفي الأخرى تقريظا وفي هذه الأخيرة يقول في وصف نفس صديقه:
جبلت كالفراش في أمة الط - ير خفوقاً بين الندى والضياء
واستوت في الحياة فوق جناح ... مستطار الخطى رقيق الغشاء
ولا شك في انه لم توصف نفس بأجمل من هذين البيتين بغض النظر عمن قيلا فيه
كما ان قصائد (تجريبي) و (يوم شتاء) و (القديس) تلفت قارئ الصفات والتأملات كل منهما بصفة متميزة، لاسيما (القديس) فهي مطوية على ليل سر عميق. وأخيراً (ليالي رأس البر) وهي من القصائد الخوالد تنبه فينا تلك الحالة النفسية الغامضة، التي نحس فيها اتصال مشاهد هذا العالم المشهود بمعاني العالم المستور، وقد اختار لها الشاعر وزناً طويلا، وقافية كأنفاس الحالم الممدودة فكأنما يسري القارئ منها في عالم النسيان والرضوان
حقاً هو كتيب صغير ولكنه ديوان كبير
عبد الرحمن صدقي
المآسي في الجمال والشعر والحب
للأستاذ الحوماني
قبل أن أتحدث عن هذا الكتاب القيم يجدر بي أن أتقدم بالشكر إلى الأستاذ الجليل صاحب