٣ - من المعلوم أن الجملة تقسم إلى نوعين: فعلية واسمية. ولكنا عندما ننظر إلى الأمور نظرة منطقية، يجب أن نفهم من تعبير (جملة فعلية) الجملة التي تحتوي على فعل، وبتعبير آخر: الجملة التي تعلمنا ما حدث وما يحدث؛ كما يجب أن نفهم من تعبير (جملة اسمية) الجملة التي لا تحتوي على فعل؛ وبتعبير آخر: الجملة التي تخبرنا عن أوصاف اسم من الأسماء وحالاته.
غير أن قواعد اللغة العربية لا تلتزم هذه التعريفات والمفهومات المنطقية بل تخالفها مخالفة كلية:
فإنها تعتبر الجملة (فعلية) عندما تبتدئ بفعل، و (اسمية) عندما تبتدئ باسم. ومعنى ذلك: - أنها لا تصنف الجمل حسب أنواع الكلمات التي تتألف منها، بل تصنفها حسب نوع الكلمة التي تبتدئ بها دون أن تلتفت إلى بقية كلماتها.
ونظراً لهذه القواعد الرسمية فإن عبارة (نام الولد) يجب أن تعتبر جملة فعلية، في حين أن عبارة (الولد نام) يجب أن تعتبر جملة اسمية، مع أن كلتيهما تتألفان من نفس الكلمات، وتؤديان إلى نفس المعنى.
إنني أعتقد أن تقسيم الجملة على هذا النمط الغريب نتيجة خطأ منطقي، وقع فيه علماء اللغة - في عصور التدوين الأولي - بسبب اهتمامهم بالأوصاف الظاهرة أكثر من تفكيرهم في المعاني المفهومة. . كما شرحنا ذلك آنفاً.
وأما استمرار المؤلفين المعاصرين على التزام هذه الخطة العجيبة فلم أجد سبيلاً إلى تعليله إلا بتأثير (الألفة المخدرة) ونزعة التفادي من الخروج على التعاريف والتصانيف القديمة. .
ومما يجب أن نلاحظه في هذا الباب أن هناك أمراً آخر يزيد في غرابة نتائج هذين التعريفين، ويوسع المسافة بين المنطق والقواعد:
لقد عرّف علماء اللغة (الفاعل) - تحت تأثير النزعة التي ذكرناها آنفاً - بقولهم:(اسم مرفوع يتقدمه فعل). . فإذا تقدم الاسم على الفعل لا يترتب على ذلك - في عرفهم - تحول الجملة من فعلية إلى اسمية فحسب، بل يترتب على ذلك خروج الاسم من الفاعلية أيضاً. فعندما يقال (الولد نام) لا يرون مسوغاً لاعتبار كلمة الولد فاعلاً، نظراً لمخالفة ذلك