إلى بيروت حيث اللهو والمجون فلما علمت بذلك ابنة عمه تبعته لترى بنفسها ما ينغمس فيه من المفاسد، فرأته هناك من حيث لا يراها يغازل فتاة من بنات الهوى تدعى جوزفين فبرح بها الألم وكتبت إليه تلومه، ولكنه رد عليها ساخرا، وكرر الدعوة إليها لتحيا معه هذه الحياة. وفي تلك الأثناء كان أبوها في طريقه إلى بلده دمشق فقضى نحبه على مقربة من العقبة، ولقد ترك خطابين أحدهما لابنته والثاني لوسيم، وأوصى بأن يسلما إليهما في وقت واحد، وهرعت أمل إلى قبر أبيها هالعة جازعة والتقت هناك بوسيم واكبا على القبر يبكيان فلما أفاقا وجد كل منهما في صاحبه ضالته فربط الحب قلبيهما برباط وثيق. وحملها وسيم إلى التهامي. وأخذ ناظم يرسل إليها الخطابات يستحلفها ويعلن التوبة بين يديها فسافرت لتراه قبل موته وهو على فراش المرض فلم تكد توافيه حتى اسلم الروح وبكته ابنة عمه ولبست الحداد وأقامت بدمشق أياما. وهنا شبت نار الحرب بالبلاد العربية واشترك فيها وسيم، وجعل يدون مذكراته عن حبه ويشاء القدر الساخر أن يذهب ضحية الزلزال وهو يبحث عن أمل بعد أن وضعت الحرب أوزارها فحملت مذكراته إلى أمل البائسة.
أخاف أن يذهب هذا التلخيص بجمال القصة وأدعو الشبان مخلصا إلى قراءتها في إمعان. فليس جمالها في حوادثها فحسب بل فيما، تفيض به من دروس وعبر، وأحاديث عن الجمال والشعر والحب ووصف شائق للكون والطبيعة، كل ذلك في تعمق وخبرة وبعد نظر أما أسلوب الحوماني فهو ذلك الأسلوب العربي المتين، دقيق العبارات موسيقي الوقع مشرق، الألفاظ؛ قوي المبنى، واضح المعنى حتى ليعد في ذاته ناحية هامة من نواحي الجمال في الكتاب ولو ضيق المقام لأوردت بعض عبارته على أنني لو فعلت ذلك لاضطررت إلى إيراد الكتاب كله، فهو قطعة متسقة من الفن.
أما بناء القصة فقد سار فيه المؤلف على نهج فريد، فابتدأه بأن ترك كل فرد يتناجى ونفسه بعيدا عن بقية الأشخاص، ثم أخذ بعد ذلك يسرد الحوادث حتى اختتم الكتاب، بمذكرات وسيم وبتلك المفاجأة المؤلمة التي حملتها فريدة الوصيفة إلى سيدتها أمل. ولقد أضاف هذا إلى الكتاب قوة ونجاه من السامة الملل.
وأني أتقدم بخالص التهنئة إلى الأستاذ الحوماني راجيا إياه ان يزيد الأدب من نفثاته