لا رأي له ولا بصيرة ولا حزم. . . وتفرق الناس في الشمال شيعاً فمنهم من يرى وجوب الحرب، ومنهم من لا يرضى إلا المسالمة والاتفاق، ومنهم من يتذمر ويتبرم ولكنه لا يرى شيئاً ولا يحس غير القلق والخوف، والرئيس لا يجيب إلا بقوله (إذا أخلى أندرسون حصن سمتر فسيكون عليَّ أنا أن أخلي البيت الأبيض). . .
ويهتدي ابن الأحراج بعد طول روية إلى رأي فيه دليل قوي على حنكته السياسية حتى لكأنه مارس السياسة طول حياته، ذلك أنه يزمع أن يرسل القوت ليس غير إلى الحصن، وحجته أن ذلك عمل إنساني لا عدوان فيه، فإذا قبل الثائرون هذا حلت المشكلة؛ أما إذا قابلوا ذلك بالقوة فعليهم إثم ما يفعلون، فهم بذلك يكونون بادئي العدوان ومشعلي نار الحرب. . . ولأهل الشمال بعد ذلك أن يدفعوا عن أنفسهم العدوان إن كانت في نفوسهم حمية وفي رؤوسهم نخوة الرجال. . .
وتسير السفن محملة بالقوت، بعد أن يرسل الرئيس نبأ عنها إلى قائد الثوار حول الحصن، ولكن القائد لا يكاد يبصر السفن من بعد، حتى يطلق النار على الحصن فيسقط علم الاتحاد وتنسحب الحامية بعد دفاع مجيد. . .
ويثب أهل الشمال للنبأ وثبة واحدة فلا خلاف بينهم بعد ذلك ولا تنازع، وما فيهم إلا من يريد الدفاع عن الاتحاد ورد الإهانة التي لحقت بالعلم الذي طالما خفق على رأس وشنجطون وجنوده البواسل غداة حرب الاستقلال. . .
وما حدث في تاريخ العالم من قبل أن تحمس شعب إلى الدعوة للجهاد كما تحمس أهل الشمال يومئذ؛ فلقد كان الشيوخ قبل الشباب يريدون خوض غمار الحرب، ولم يتخلف النساء ولم يقعدن عن شحذ العزائم واستنهاض الهمم وإن لم تكن هناك حاجة إلى سعيهن. . . أما الشباب البواسل فقد استحبوا الموت على الحياة فساروا مغتبطين يطرحون نفوسهم تحت المنايا كأنما يسيرون إلى نزهة لا إلى مثل عذاب الجحيم. . .
وهكذا تقع الحرب بين نصفي شعب واحد. ولقد كان الرئيس أكثر الناس في الشعب جميعاً تألماً، وكان قلبه الإنساني الكبير يكاد يتفطر، ولكن ما الحيلة وهو يرى بناء الاتحاد أمام عينيه ينهار حجراً بعد حجر؟
وحسبك دليلاً على حماسة أهل الشمال أن الرئيس عندما أهاب بالولايات أن ترسل إليه