خمسين ألفاً أو يزيدون مع أنهم لم يتجاوزوا ثمانية عشر ألفاً
وكثيراً ما يكون التاريخ في تطوره رهيناً بحادث بسيط، ومن أروع الأمثلة على ذلك وقوف أهل الجنوب عن الزحف على وشنجطون؛ ولو أنهم فعلوا لكان للولايات المتحدة وجود غير هذا الوجود وتاريخ غير هذا التاريخ
وكذلك كان يتغير وجه التاريخ لو أن القنوط يومئذ تمكن من نفوس الناس؛ ولولا أن كان على رأسهم إبراهام لذهبت ريحهم وخارت عزائمهم وتفرقت كلمتهم. فلقد صمد ذلك الصنديد للنبأ شأنه في كل ما مر به من الحادثات، ولئن ابتأس للهزيمة وتحسر على الفشل في أول لقاء علق عليه الكثير من آماله، لقد صبر وصمم ألا غنى عن الجهاد مهما يبلغ من هول الجهاد. . .
وسرعان ما سرت روح أبن الغابة في الناس، فعادت إليهم ثقتهم بأنفسهم، وازدادوا حماسة على حماسة حتى ما يقر لهم قرار بعد اليوم حتى يغسلوا عن أنفسهم هذه الإهانة الجديدة وينصرون حقهم على باطل أعدائهم
ولقد استطاعت قوة الشماليين البحرية بعد ذلك أن تستولي على حصنين على الساحل في موانئ أهل الجنوب، كما استطاع القائد ماكليلان أن يفصل بقوته البرية الجزء الغربي من فرجينيا عن جزئها الشرقي ويضمه إلى الاتحاد، وكان أكثر أهله ممن يرفضون الانسحاب فكان ذلك رداً على الهزيمة في معركة بول زن
وكان لنكولن قد دعا المؤتمر ليشاور ممثلي الأمة في الأمر وليطلعهم على الموقف من جميع نواحيه، ولقد بعث لنكولن إلى المؤتمر برسالة كانت من خير ما كتب من الرسائل، تناول فيها كل ما يهم الناس يومئذ معرفته
بدأ لنكولن يسرد الحوادث حتى انتهى إلى موقف أهل الجنوب فذكر أنهم وضعوا البلاد بين أمرين فإما الحرب وإما تفكك الاتحاد. . . ثم قال إن الأمر لا يقف عند هذه الولايات المتحدة، بل إنه ليتعداه إلى مبدأ عام هو مبلغ نجاح الحكومات الديمقراطية القائمة على إرادة الشعب
ولقد كان لنكولن جد موفق في إشارته هذه إلى ذلك المبدأ العام، كما كان يصدر في ذلك عن طبع، فهو من أنصار الحرية ومن كبار العاملين على سيادة الشعب