أن يكون بينهما من صلة، وما يجب أن يقسم بينهما من الجمال.
ولكن اذكر أن كنت نسيت أنك شهدت أمس موضوعا واحداً يثير الضحك ويثير الرثاء فحدثني عن هذا الموضوع، كيف أثار الضحك؟ وكيف أثار الرثاء؟ قال التلميذ: وكيف أنسى موضوعاً لا يمكن أن يعدو عليه النسيان؟ وما رأيك في أديب خلق ليكتب، ويقول فيقضي عليه فجأة إلا يكتب ولا يقول؟ خلق ليفكر ويرقى بتفكيره إلى السماء فيجذب إلى الأرض جذباً، ويكره على البقاء فيها إكراها، ويؤخذ بالحياة مع أهلها أخذاً، خلق ليقرأ فيقضى عليه فجأة إلا يقرأ، خلق أطول الناس بالكلام لساناً، وأجرأهم بالقلم يداً، وأسرعهم إلى المعاني نفسا، وأخصبهم بالخواطر ذهنا: فيعقد لسانه وتغل يده وتقيد نفسه ويجدب ذهنه. خلق واضح الجبين باسم الثغر مبسوط الأسارير، تضطرب في نفسه الغنية معان غزيرة فيظهر اضطراب هذه المعاني على وجهه، فإذا هو متحرك الهيئة دائماً لا تكاد تنظر إلى محياه حتى ترى له شكلا جديداً يصور معنى جديداً، يضطرب في تلك النفس التي لا تهدأ ولا تستقر فيقضي على هيئته أن تسكن، وعلى وجه أن يتخذ صورة بعينها جامدة مستقرة لازمة لا تتحرك ولا تنتقل ولا تزول.
قال الأستاذ وماذا تنكر من أمر هذا الأديب؟ إنما هو صورة من صور برومثيوس الذي كان حركة متصلة منتجة خصبة، سريعة لبقة، تعلم الناس في غير انقطاع. وتسلك إلى تعليمهم كل السبل، وتبتغي إليه كل وسيلة، حتى لم تتحرج من أن تختلس نار الآلهة اختلاساً فتهديها إلى الناس وتمنحهم بذلك الحضارة والعلم والفن وتغنيهم أو تكاد تغنيهم عن (زوس) وأصحابه من سكان الأولمب، فغضب عليه زوس وضاق به وأزمع أن يعاقبه على ما جنى، فشده إلى صخرته تلك في القوقاز وقضي عليه أن يظل طوال الدهر مغلولا. وقد كانت الحركة جوهره عاجزاً، وقد كانت القدرة حقيقة لا يملك لنفسه ولا للناس شيئاً، لا يدفع عن نفسه ولا عن الناس شيئاً، يزوره النسر الذي وكل به من حين إلى حين، فينهش كبده نهشاً، وهو يرى ذلك ويألم له أشد الألم ولا يستطيع له دفعاً، يدعو الحرية فلا تستجيب له، لأن زوس قد كفها عنه، يدعو الموت فلا يستجيب له، لان الأقدار قد كتبت له الخلود. وقد صور ايسكولوس حال برمثيوس هذا تصويراً بديعاً ألهم من جاء بعده من الكتاب والشعراء، والمثالين والمصورين والموسيقيين. وقد أثار ايسكولوس في تصويره ضحك