هناك من يقول: إن القصة تحمل الشباب على الانتحار وترغبهم فيه. ودليلهم على ذلك أن عدداً وافراً من الشباب انتحروا في الغرب عند قراءته
والواقع أن الذنب ذنب العصر والمكان، وبرهاني على هذا أنه لم نر الآن في الشرق والغرب من انتحر من الشباب بعد قراءة فرتر، ولقد ترجم إلى العربية كما يقول الزيات منذ ثمانية عشر عاماً وأعيد طبعه سبع مرات، وقرأه كل مثقف في بلاد العروبة، ولم نسمع أن حادثة من حوادث الانتحار قد وقعت بسببه
وهاهو ذا اليوم (يقرأ ويدرس ويمثل في الملاعب ويغني في دور الموسيقى دون أن يحدث من سوء الأثر وقبح العاقبة ما أحدثه في ذلك العصر يوم ظهوره)
يقول الدكتور طه حسين:(لقد أساء بعض الشبان ذوي النفوس المريضة فهمه والاستفادة منه، لأن ظروف الحياة الاجتماعية كانت من الشدة والضيق في أوربا بحيث تجعل نفوس كثير من الناس ضعيفة رخوة، وخانعة مستسلمة، لا تستطيع مقاومة ولا احتمالاً. وأما اليوم فالظروف الاجتماعية التي ملأت نفوس الأوربيين سأماً ومللاً في أوائل القرن التاسع عشر قد انقضت واستحالت وأصبح الناس وقد ملاهم الأمل، وملكتهم الرغبة في الحياة وما فيها من لذة ونعيم، لهذا لم بيق من هذا الكتاب إلا أثره النافع، وهو عظيم جليل الخطر)
ولنفرض أن في رفائيل وفرتر بعض ما لا يرضي الناس، فهل من الأصوب في هذه الحال أن نبعدهما عن أيدي الناشئة أم نقربهما؟ إن الأستاذ أحمد أمين - كما يفهم من قوله - يرى أن خير سبيل إلى حفظ الناشئة من الرذيلة أن يخفي عنهم خطيئات الآخرين، وأن نلقي في روعهم أن ليس في هذا العالم خطايا ولا مخطئون
ليسمح لي الأستاذ أن أقول إنه ليس هناك أخطر على الشباب من هذا الأسلوب من أساليب التربية
إن الطبيعة هي التي تلقننا أبجدية الخطيئة تلقيناً، والطلاب أخذوا عن الطبيعة تلك الدروس، درساً درساً، بل فقرة فقرة؛ وهم تدبروها وتفهموها فامتلأت بها نفوسهم، وصبت إليها قلوبهم، وكلفوا بها كلفاً لا قبل لهم برده. فما الذنب ذنب غوته ولامارتين وغيرهما من