للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أعلام الفن الوجداني الرفيع، وإنما هو ذنب الطبيعة نفسها

فإذا كنت تريد لناشئنا فضيلة وتقوى فأطلعهم على خطيئات لامرتين. افتح لهم أبواب الحياة الواقعية، ولا تخش عليهم بعد هذا بأساً ولا عثاراً؛ فالطبيعة التي أوجدت الخطيئة، جعلت لكل خطيئة في الحياة الواقعية قصاصها، وحاطتها بالعفن والنتن فهي مكروهة حتى من الملوثين بها! وهذا وحده كاف لأن يعرفوا الشر ويتجنبوه. قيل لعمر رضي الله عنه ما معناه: (يا أمير المؤمنين، إن هذا الرجل يقوم ليله، ويتعبد نهاره، ويتقي الله حق تقاته. حتى لكأنه لا يدري ما هو الشر ولا كيف يكون!. .) فأبتسم العبقري العليم بحقائق الحياة، وطبائع النفوس وقال: (إذن هو أحرى أن يقع في الشر لأنه لا يعرفه!)

ورحم الله شاعرنا أبا فراس فقد قال:

عرفت الشر لا للشر ... لكن لتوقيه

فمن لا يعرف الشر ... من الناس يقعْ فيه

فالخير كل الخير يا أستاذ أن تأخذ بأيدي شبابك لتريهم - تحت رقابة ذكية فطنة - بؤر الخطايا حيث ينتشر النتن، ويمتد العفن ببهرجها الزائف، وتهاويلها المغرية، وسيتعلمون - على الأقل - كيف يتقون الأشواك حين يمدون يدهم لقطف وردها.

والمناعة ضد الخطيئة، هي في اطلاعهم على عواقبها وعقابها، كما أن المناعة ضد البرد لا تكون في التدفئة - بل إن التدفئة تهيئ للإصابة به - وإنما هي في التعود على التعرض له

أليس من الخير أن يعلموا كيف يرتفع الشباب عن السفاسف والميول الأرضية، وكيف يطهر نفساً وينبل قلباً

أليس من الخير أن نحمل إليهم بأيدينا هذه الكتب الفنية الرفيعة بدل أن تدفعهم وساوس الشيطان إلى ملء ساعات فراغهم ودرسهم بقراءة المجلات الساقطة والروايات الخليعة التي تتملق الذوق العام، فتوغر الميول، وتثير الأهواء، وتوجهها إلى سبيل محفوف بالمكاره والأخطار؟

إن في رفائيل وفرتر وغيرهما من كتب الأدب العاطفي الرقيق الرفيع ترفيهاً عن نفوسهم وتنفيساً لها؛ ولهم فيها - فوق هذا وذاك - مثل في الأخلاق تحس كل نفس الإعجاب بها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>