للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عاش فيه فأخذ عنه وأنطبع بطابعه فصدر عنه هذا الأسلوب المشرق؟

ينتسب الأستاذ إلى أسرتين عريقتين في الوجاهة والحسب والنسب، فأبوه من آل الحمصي وأمه من آل الدلال. والأسرتان مشهورتان بالحياة الرفيعة والعيش الرغيد الوارف. وأسرة الدلال معروفة بالأدب، وقد ظهر منها نوابغ لا تزال آثارهم الأدبية ناطقة بفضلهم ومكانتهم. ولقد كان لأم الأستاذ وقوف على الأدب وخاصة على الشعر. فنشأ في هذا المحيط العالي تتعهده أمه - بعد أن فقد أباه وهو في الخامسة من عمره - بخير أنواع التربية والتهذيب.

ومن صفات الأسر العريقة في الوجاهة المحافظة على التقاليد والعادات. فمن الطبيعي إذن أن تبدو مظاهر هذه الحياة العالية بنعيمها وأخلاقها وتقاليدها على أدب الأستاذ؛ وهذا في اعتقادي هو السبب المهم في أتسام أسلوبه بسمة التأنق وروعة البيان.

على أنه يجب ألا تفوتنا ونحن نتكلم عن نثر الأستاذ ظاهرة لها قيمتها في تقدير مكانته الأدبية. وهي أننا لو أخذنا أية قطعة من نثره كتبها قبل أربعين أو خمسين عاماً، ولا سيما ما كان منها دائراً حول الموضوعات الاجتماعية والتاريخية، ثم قارناها بما يكتب اليوم بعد أن أثمرت النهضة الأدبية الحديثة ثمارها لما رأينا بينهما كبير فرق. فكأننا نقرأ بلغة اليوم ما كتبه الأستاذ قبل نصف قرن يوم، كانت أساليب الكتابة ترسف في قيود الركاكة والتقليد والصناعة اللفظية

واسمحوا لي - وإن أطلت الكلام قليلاً - أن أتلو على مسامعكم أسطراً من مقال نشره الأستاذ بعنوان (أهل التقادير وأرباب السعي والتدبير) في الجزء الثالث عشر من مجلة البيان الصادر في أول أيلول سنة ١٨٩٧ أي قبل إحدى وأربعين سنة وهذه هي:

(قد ألف بعض الناس الاتكال على التقادير أي على ما تولده الليالي من الحوادث التي لم تكن في الحسبان. وخالفهم في ذلك أقوام زعموا أن ذلك مدرجة إلى الكسل، وأنه مما يقف في سبيل التقدم وبلوغ الكمالات الإنسانية. ولكل من الفريقين حجج وبينات يؤيدون بها مدعاهم)

(قال الفريق الأول: لو لم تكن التقادير هي الحاكمة في أنصبة البشر، اللاعبة بحظوظهم، الفاعلة في تغيير أحوالهم وأخلاقهم، لبلغ كل امرئ ما يتمنى على قدر همته وسعيه، وكم

<<  <  ج:
ص:  >  >>