الضوضاء الغريبة التي يمتلئ بها البيت حين تفارقه الحياة، ويمتلئ بها البيت حين تدخله الحياة.
قال الأستاذ محزونا مشفقا، وكم قضى المسكين من وقت على هذه الحال؟ قال التلميذ يوما كاملا نصفه في ذلك البيت الذي كان يخلو، ونصفه في هذا البيت الذي كان يعمر. ولقد فهمت أن اتحدث إليه في الانتقال من دار إلى دار، وأن اذهب معه مذهب الادباء في هذا الحديث، فأخذت أذكر له وقوف الشعراء على الاطلال واحيائهم لما يثير هذا الوقوف في نفوسهم من الذكرى وما يسفح على خدودهم من العبرات، وذهبت اروي له: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل. . وانشده: لخولة اطلال ببرقة ثمهدي. . واتغنى له بدمنة ام اوفى. . واروى له ما قال ذو الرمة في ربع مية. واستطرد به إلى ما قال أبو تمام في عمورية بعد أن دمرها المعتصم تدميرا. فلم أجد منه نشاطا ولا انبساطا وإنما قال في صوت المحزونولهجة المتعب المكدود وما أنا وذاك؟ لقد تنقلت في حياتي بين دور كثيرة من حوش عطى، إلى درب الجماميز، إلى شق الثعبان، إلى مونبلييه، إلى باريس، إلى السكاكيني، إلى الحوياتي، إلى هليو بوليس، إلى الزمالك، فأقسم ما وجدت ساعة الانتقال لحظة من هذه اللحظات الحلوة التي يغنيها الشعراء غناء جميلا في شعر جميل اودع فيها دارا احببتها وبلوت فيها الحلو والمر من الوان الحياة، واستقبل فيها دارا لا اعرفها ولا أ ' رف ما ستتكشف لي فيها الايام عنه من الاحداث والخطوب. إنما هو الضجيج والعجيج وازدحام الادوات والاثاث، وصياح العمال والحمالين وخفق الاقدام، وجر الاثقال، ومجلس ضيق كهذا المجلس الذي ترى وساعات طوال ثقال كهذه الساعات التي رأيت، ثم وصل لما انقطع من الحياة، وسعى فيما أهمل من العيش، وانغماس في هذه الحركات العنيفة التي لا موضع فيها للشعر ولا مكان فيها للغناء. هنالك عدلت به عن النحو من الأدبالنو آخر. فأخذت اتحدث إليه عن قول ابي تمام
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الاول
كم منزل في الارض يألفه الفتى ... وحنينه ابدا لاول منزل.
واخذت أساله عن احب منازله إليه وآثرها عنده فلم يحتج إلى تفكير ولا تقدير، وإنما قال في صوت حزين يشوبه الابتسام احب دار واثرها عندي إنما هي تلط التي درجت فيها