(الشك يساورني منذ أكثر من عامين. واليوم فار التنور، إذ سمعت إنها حبلى. ووقع في يدي ما ملأني يقيناً بتصديق إثمها؛ ولقد همت أن أفعل ما لا يُفعل، وأنا أخشى ألا يتداركني حكمك.
(. . . ماذا تقول يا أستاذي؟ أنا الصابر أبداً كاد الصبر يتلاشى من نفسي، أنا المطمئن أبداً كاد أمري يضيع من يدي. أنا كالمجنون لا يبقني شبه عاقل إلا أنت، فماذا تقول يا أستاذي وبماذا تحكم؟ يكتبها الله لك فتداركني برأيك. . .
(ولك مني شكر من يسأل الله ويسعى إلى أن يكون بنفسه وحياته من حسنات تربيتك، وأن يكون في اليوم الآخر كلمة من سطر من كتابك القيم. . .
(ومعذرة لي من لدنك إن أغفلت الآن اسمي)
في ١٤٥١٩٣٥
٢ - وهذه معلمة في إحدى مدارس الحكومة، حامت حولها ريبة فوقفتها وزارة المعارف حتى تحقق أمرها، فكتبت إلى الرافعي تسأله أن يعينها بجاهه حتى تعود إلى عملها الذي تعول منه أبويها؛ فيشفق عليها الرافعي ويسعى سعيه لبراءتها. . . وعادت إلى عملها؛ وحفظت الجميل للرافعي، فكانت تكتب إليه كل أسبوع رسالة تبثه خواطرها، وتصف له من أحوالها وما تعمل؛ وتكثر رسائلها إلى الرافعي حتى يزول الحجاب بينهما، فتصرح له بما لا تصرح فتاة، ويؤول أمرها في النهاية أن تكتب للرافعي بأنها عاشقة. . . وأن معشوقها الصغير - التلميذ في إحدى المدارس الصناعية بالقاهرة - لا يعلم ما تكن له. هي تلقاه، وتماشيه، وتخلو به خلوات (بريئة) ولكنها لم تكشف له عن ذات نفسها، وتأكلها النار في صمت. . .! وتقول في رسالتها إلى الرافعي:
(. . . فدبرني يا سيدي في أمري؛ قلبي يحس أنه يحبني، لقد قالتها لي عيناه، ولكنه لم يتحدث إلي، ولست أجد في نفسي القدرة على التصريح له. . .)
وتتوالى رسائلها إلى الرافعي تصف له ما تلاقي من الوجد بحبيبها الذي تكبره بسنوات، ويقرأ الرافعي رسائلها فيبتسم، ويتناول قلمه الأزرق فيثوِّر فيها علامات يشير بها إلى مواضع وفِقَر تلهمه معاني جديدة وفكراً جديداً؛ ويشتط الحب بالمعلمة العاشقة حتى تنظم الشعر، فتبعث إلى الرافعي بقصائدها ليرى رأيه فيها. . .