التعريفات ما نصه:(النون هو العلم الإجمالي. يريد به الدواة، فان الحروف التي هي صور العلم موجودة في مدادها إجمالا. وفي قوله تعالى (ن. والقلم) هو العلم الإجمالي في الحضرة الاحدية. والقلم حضرة التفصيل اه)
ففي هذا القول رموز لغة وتفسير وعقيدة وتصوف، ألف بينها لحام دقيق يمكن تفكيكه على هذه الصورة:
أن حرف (ن) في الآية أريد به إجمال أو خلاصة للعلم البشري وأن (القلم) الذي ذكر بعد (ن) هو الكفيل بتفصيل ذلك العلم الإجمالي. وأن حرف (ن) إنما جاءه معنى العلم الإجمالي من كونه حرفاً من حروف الهجاء. وحروف الهجاء يتركب منها جميع الكلام الذي يدل على علوم البشر التي إنما يصورها الكاتب بمداد الدواة. فعلوم البشر مدمجة في الدواة، والدواة رمز يذكر بمجموع علوم البشر وثقافاتهم في التمدن القديم، كما أن (المطبعة) رمز يذكر بمجموع علوم البشر وثقافاته في التمدن الحديث
ثم تراجع كتب اللغة والتفسير فنجد بعض المفسرين يفسر (ن) في آية (ن، والقلم وما يسطرون) - بحرف النون الهجائي، كما فسروا بقية الحروف الهجائية في مفتتح السور الأخرى. ونجد الحسن البصري يفسر (النون) بالدواة. فتفطن إلى أن الحسن رضى الله عنه لم يرد بالنون حرف النون الهجائي، وإنما أراد كلمة (النون)، ولكن الحسن البصري السلفي العظيم الذي عاش مع فصحاء العرب وبلغاء الصحابة رضوان الله عليهم - يفسر (النون) بالدواة من دون أن يكون له دليل يستند إليه نبحث فنجد أن الحبر ابن عباس رضى الله عنه يفسر النون في الآية بالحوت وهو سمكة البحر، كما هو أحد معانيها اللغوية. فنتفطن أيضا إلى أن تفسير (النون) بالدواة - وهو ما ذهب إليه الحسن البصري - إنما من جهة تفسير ابن عباس لها بالحوت
ويبقى في المقام إشكال: وهو ما هي علاقة الحوت بالدواة؟ نراجع المفسر النيسابورى فنجده يقول في صدد تفسير الآية: انه بروي عن بعض الثقات أن أصحاب السحر (ويريد بهم أصحاب الصناعات الخفية أو الدقيقة) يستخرجون من بعض الحيتان شيئاً أسود كالنقس (أي الحبر) أو أشد سواداً منه يكتبون به أهـ
ولا يخفي أن الأخطبوط أو غيره من حيتان البحر يستخرج منه سائل كان الأقدمون