للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تبقى كلمتا الشرق والغرب مجهولتي المعنى والتحديد. على أننا مع هذا نستطيع أن نبين ما رمى إليه الكاتب من وراء هذا المصطلح وإن جاء ذلك متداخلاً مضطرباً.

فعلى فرض أن (الغرب) مصطلح علمي يدل على شيء أو أشياء معينة فقد أراد أن يثبت بأن ما يدل عليه هذا اللفظ إن هو إلا العقل الحر الذي لا يتقيد بالروحانيات وما إليها، في قوله: (إن في الشرق استسلاماً محضاً للغيب وفي الغرب نضالاً محضاً مع قوى الغيب)

ثم إن الغرب يعني العقل المتفلسف لأنه (يبدأ من عالم الغيب وينتهي للعالم المنظور. والغرب بعد هذا يعني العقلية العلمية التي (تأخذ بأساليب الاستقراء والمشاهدة إلى جانب أسلوب الاستنتاج والنظر) والغرب يعني أيضاً (تحكم العقل في محاولة تنظيم الصلات بين أفراد المجموع البشري)

وأخيراً فإن الإنسان في نظر الغربي) قادر على تغيير المقدر له عن طريق معرفة النواميس المحكمة في وجوده)

وأما الخالق (الذي خلق هذا الإنسان) فهو مقيد بهذه السنن والنواميس، وإرادته (أي الخالق) مقيدة بنظام هذا الكون وأفعاله قائمة على عنصر اللزوم والاضطرار)

في مطلع الشرق قد أدرج ما يعكس مدلول الغرب؛ فله العقل المقيد بالعقيدة، وله الجمود الفكري (في أن تكون العصور الوسطى صورة من الصور الشرقية). والعصور الوسطى هي عصور مظلمة عمت فيها الفوضى في مهامه الجهل

إلى هنا أحسن الكاتب صنعاً. ولو أنه لم يتعد مدلول هاتين اللفظين كما (تصورناه) لكان بحثه (بحق) أوفي ما يكتب في بحث مظاهر العقليات. ولكنه رغب في قرارة نفسه أن يتعدى هذا المدلول وأن يكشف عن نياته الصادقات عن الشرق والغرب فتراه أكسب العقليات الصفة الشعبية. فاليونان من الغرب؛ وكذا أهل أوربا في عصور النهضة والنشاط الفكري. أما أوربا في غير تلك العصور فليست من الغرب. فهي في عصر النور غربية وفي عصر الظلام شرقية مع أن الشعوب التي سكنتها في كل من العصرين لم تختلف في عنصرها ولا في جنسها.

والعرب كذلك (في رأيه) عقليتهم العلمية ترجع للغرب لأنهم أخذوا أصولها عن فلاسفة اليونان، أما روحانيتهم فهي للشرق لأن الشرق منبع الأديان وكل ما فيها روحاني الطبيعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>