والمظهر. وسبب هذا التباين الذي اعتبره أساسياً أن العقلية الشرقية ابتدأت بالاعتقاد إلى خالق ثم انتهت بالطبيعة. والعقلية الغربية بدأت بالطبيعة وانتهت في الخالق، ثم هو لا يوضح متى بدأت كل من العقليتين الأولى في اعتقادها بالخالق، والثانية في بحثها عنه عن طريق الطبيعة. ونحن لا نطالبه بهذا الإيضاح، فالثابت الذي لاشك فيه أن الغرب قد سبق الشرق في كلتا الناحيتين وما كان الغرب إلا مقلداً لها ومتأثراً بسببها.
ولنعد الآن إلى ما جاء في البحث المذكور الذي أوردناه أهم النقط التي تضمنها فيما مضى من السطور لتسهل مناقشتها.
(ثانياً) إذا كان الأساس العلمي هو المقياس لتفاضل العقليتين، وإذا كان البحث في نواميس الطبيعة والكون من المظاهر العلمية للعقل، فهل للفاضل الكاتب أن يقرر لنا متى بدأ يتحسن الخالق في سر مخلوقاته. أهو الشرقي مصرياً كان أو آشورياً أو كلدانياً أو عربياً أم بدأ به اليونانيون والرومان والسكسون؟
إن العقلية اليونانية التي ادعى الكاتب أنها أصل البحث العلمي الذي أخذ عنه فلاسفة الإسلام، هذه العقلية هل انفردت عن غيرها من العقليات المعاصرة أو السابقة في نهج الأسلوب العلمي؟ وهل يعتقد أحد بأن من قيمة العقل العلمي المتفلسف أن يقف عند حد المنطق في وضع أصول الشك ولا يتعدى تطبيق هذه الأصول على حقيقة الوجود كي ينتهي إلى الخالق؟ ثم نواميس الكون وسنن الوجود التي توصل إليها اليونانيون بأي خالق ربطت وعلقت؟ هل الجانب العلمي الذي أخذه العرب عن اليونان انتهى إلى الحد الذي انتهى إليه اليونانيون في تقريرهم بأن عشرات الآلهة تحكم عالمهم، وأن هذه الآلهة تموت وتحيا وتقتل؟ أم أن ذلك الجانب العلمي هو أن تكون الأسطورة ديناً لهم كما كانت إلياذة هوميروس دينا لليونان قروناً طويلة؟
إذا كان الشرقي قد أدخل العنصر الروحي في تقرير المعاملات بين الناس فهل يتنافى هذا مع العقل السليم؟ وهل يتهم بعد ذلك بأنه قاصر ونحن نعلم علم اليقين بأن الشرقي في اعتقاده الروحاني قد اتسع أفق تفكيره فشمل عالمين بينما قصر غيره عن ذلك فانتهوا عند حدود عالم واحد أخطئوا حتى في تحديده؟
لقد نظر إخناتون في مصر إلى العالم الذي أحاط به فرأى أن لا بد لنواميس الكون من