أين هو الجسم المنيع الذي يتوق نيتشه إلى إيجاده مربعاً من قمة الرأس إلى أخمص القدم؟
لقد عمل العالم المتمدن على إيجاده الرياضة فأوجد الرقاب الغليظة والعضلات المتضخمة مسبباً منها تضخم القلب وجفاء الطبع وبلادة التفكير وانحطام أجنحة الخيال
يريد نيتشه خلق الإنسان المتفوق جباراً كشمشون وشاعراً كداود وحكيماً كسليمان. فهو يكلف الطبيعة ما لا قبل لها به ويطمح إلى إيجاد جبابرة لا يصلحون لشيء في المجتمع لأن الحيوية لا تنصرف من مختلف نوافذها الجسمية في آن واحد دون أن تقبض على صاحبها لتوقفه من سلم الارتقاء على مرتبة معلقة بين الاعتلاء والانحطاط فيكون منه لا الإنسان المتفوق بل الإنسان (التافه) القصير الحياة والقاصر في كل عمل يباشره
إن المجتمع لا يقوم من الوجهة العلمية على أفراد يحاولون الإحاطة بكل شيء فلا ينالون منها شيئاً
وليس الحال إلا على هذا المنوال من الوجهة الروحية أيضاً، فإن مَنْ تبصر في أحوال الناس وطرائقهم في الحياة، لا بد له أن يسلم أخيراً بأن لكل شخصية حياتها بما كمن في حوافزها، ولكل شخصية ميتتها بما خفي من أدواء جسمها وعلل إرادتها وبما وراءها من مقدمات وحولها من نتائج
إن في الحياة مسالك خطتها الإرادة الكلية وليس للإرادة الجزئية أن تتناولها بتحوير، ومصاعد الرقي للأرواح منتصبة من كل مسلك في عالم الظاهر نحو العالم الخفي، وما خصت العناية أقوياء الجسوم بالارتقاء
ولربَّ صعلوك في نظر نيتشه لا يصلح للحياة ويجب أن يُقضى عليه دون إمهال تتفجر منه قوة لا تراها إلا البصائر النيِّرة
من لنا بسبر الأغوار البعيدة القرار لندرك سرَّ التكامل في الذات والحكمة في حد الأشواط لكل روح لتقوم بقسطها من المقدور؟
ومن لنا بادراك سرَّ الضعف والقوة وقد يكون الضعف في الجسم السليم والقوة في العليل من الأجسام؟
إن لكل مخلوق أن يبلو الحياة بما أُعطى من ظاهر الضعف أو ظاهر القوة، لأن للصحة محنتها كما للمرض محنته، والأنفسُ الطامحة إلى مُثُلها العليا سواء أكانت هذه المُثُلُ في