هي كالطفلة الشقية تلقي ... من حنان الآباء أوفى نصيب
فليس التأمل وليست الدراسة النفسية وحدهما يوحيان بهذا المقال، إنما هو الشعور الفطري الصادق قبلهما يوجه النفس هذا التوجيه. يعرف ذلك الآباء المشغوفون من لدن الحياة بالأبناء، والبنات الأشقياء والشواذ، لأن هؤلاء أحوج للرعاية في منطق الحياة! ويعرفه كذلك المحبون الذين يزيد شغفهم بحبيباتهم ما ينفر سواهم الخليين من أقوال وتصرفات. ويعرف العقاد هذا فيطل بوجهه من خلاله وكأنه وشاحه الخاص، الذي لم يفطن إليه سواء
الملك بالمعرفة
وبعد فهذا فن وحده، واتجاه في الإحساس غريب: محب ينقضي ما بينه وبين حبيبته من حب ومن لقاء واتصال وأخذ وعطاء، ويفصل بينهما فاصل من هجر مرير بعد شك دامٍ ويقين أليم حدثناك عنهما في كلمة سابقة، ثم يحس في خلال هذا كله أنه ما يزال مالكا لهذه الفتاة، مالكا لها إلى الأبد، لا يملكها سواه أبداً، ولا تفلت من بيده أبداً. . . لماذا؟ لأنه يعرفها بكل ما فيها، ولأن غيره لن يعرفها مثله، ولن يطلع منها على ما اطلع هو، وهي له وحده، لأن صفحتها مفتوحة أمامه يقرؤها بلا مفسر وبلا منظار، ولأن أحداً لن يحبها حبه أو يكرهها كرهه، بل لأن أحداً لا يزدريها ازدراءه!
ألقاءٌ أم لات حين لقاء ... وسلام أم تلك حرب عداءِ!
وفراق تُجدد العتبَ فيه ... يوم تخلو على مهاد الصفاء!
أم فراق على الحياة طويل ... كفراق الردى بغير انتهاء!
أنا ما بين هاتف ونذير ... ذاهب السمع إثر كل دعاء
هاتف في الضمير أن ليس هذا ... آخر العهد فاعتصم بالرجاء
ونذير بأنها غضبة العمر ... وعقبى مودة الأصفياء
ليت عاماً من الحياة تَقضّى ... لأرى في غد بعيد القضاء
وأرى الخير لا يطول انتظاري ... وأرى الشر لا يطول عنائي