نعم يا سيدي الفاضل، إن من مميزات عصرنا الحاضر هو كما تقول:(التهم التي تكال جزافاً) دون دوية ولا إمعان.
وهذه أيضاً من تأثير السرعة التي اقتبسناها ولم نحسن استعمالها. فإن النفوس التي تتهمها (بالجهل والجمود والجحود) تفهم السرعة في المواصلات والسرعة في الإدراك - وسرعة الخاطر -
ولكنها قاصرة عن فهم السرعة في الحكم والدرس والإصلاح خصوصاً إذا تعلق هذا الإصلاح بمستقبل قواعد لغة عدة شعوب وملايين من الناس.
إن (نفسي الجاهلة) لتأخذ على أستاذها الفاضل سرعة الحكم؛ فقد كان من السهل عليه لو تأمل قليلاً أن يدرك أن ليس في ردي عليه استفزاز ولا خلط. ولكني نسبت ما في القواعد من تعقيد وصعوبة إلى المدرسين القائمين بتلقينها للنشء لا إلى نقص في القواعد نفسها. ثم أخذت عليه تغيير الإعراب وبقاء القواعد كما هي، وفي هذا من الخلط والتعقيد ما هو بريء من التيسير. فإذا قلنا مثلاً إن حرف الجر مجزوم وجب أن نحذف من كتاب القواعد أن الحروف مبنية. وإذا سلمنا أن الفعل الماضي منصوب وجب حذف باب (بناء الأفعال). وهكذا يجب تغيير وحذف كل القواعد التي لا تتمشى والأعراب الجديد. وإن كان ذكر النون في جمع المذكر السالم (حشواً لا داعي إليه) فلا أرى ما يمنع حذفها. والمعقول أن ما يعتبر حشواً يمكن الاستغناء عنه. وكما قلت سابقاً إن عملية التيسير أخطر من أن تتم بهذه السرعة، وإننا مسئولون عما نأتيه من تغيير في قواعد اللغة التي ثبتت أجيالا مضت ولم نثبت بعد خطأها ولم نأت بأحسن منها.
لقد طالعت أبحاث أستاذنا المحترم بكل تؤدة وإمعان، ثم بينت لكل اعتراض سبباً منطقياً يقره العقل والفهم. فأين إذن الخلط والسهو من كلامي هذا؟؟ ولو تفضل الأستاذ المحترم وراجع مقالي السابق لوجد أنه مختص بالبحث في عملية التيسير من ناحية صلتها بالنشء. ولا يخفى على الأستاذ الفاضل أن فكرة التيسير لم تنشأ إلا لتسهيل درس قواعد اللغة للطلبة بعد أن لوحظ شدة ضعف المتخرجين في الدراسة الثانوية والجامعية.
وأخيراً لا يسعني إلا أن أشكركم لما نسبتموه إليَّ من جهل. فإنه لفخر لي أن يتهمني عالم جليل بالجهل.