في هذا الباب وهي تجمع الحي والميت من الألفاظ ولا تفرق بين هذا وذاك. وأما كتب الأدب فإن اللفظ المستعمل فيها يكون لفظاً حياً استطاع أن يبقى ويدور على الألسنة والأقلام، والألفاظ كالناس وككل مخلوق، تحيا وتموت، والصالح منها هو وحده الذي يبقى، أما غير الصالح فينتهي به الأمر إلى أن يهجره الناس ويتركوه مدفوناً. ولا خير في محاولة إحياء لفظ مات ونشره بعد أن طواه الزمن، وإنما الخير أن تتركه حيث هو وأن تلتمس سواه من الألفاظ التي قدرت على البقاء والمكافحة والنضال.
نظرت هذه النظرة إلى لغتنا العامية فعثرت بلا جهد أو مشقة في بحث على مئات من الألفاظ العامية التي نتوهم أنها غير عربية أو لم يستعملها العرب، ونتحاماها لذلك، ولو استعملناها لجاء الكلام أوضح وأبين، ولكان فهمه أسهل ومطلبه أيسر. وبعض هذه الألفاظ عربي أصيل، والبعض مولد أو دخيل ولكنه مما استعمله العرب وأجروه مجرى ألفاظهم الأصلية. وكل هذه الألفاظ تمتاز بأنها استطاعت أن تعيش وان تجري على ألسنة الأمم والشعوب، آلافاً من السنيين الطويلة، فمادة الحياة فيها قوية ولا معنى لهجرها وإهمالها لا لسبب سوى أن العامة يستعملونها كأن كل ما يستعمله العامة يجب أن يحتقر ويرمى ويطلب غيره، وهي سخافة ظاهرة.
وقد علمت أن الدكتور احمد بك عيسى قدم إلى المجمع اللغوي رسالة في الألفاظ العامية وأصولها تشتمل على ما قيل على ألفي كلمة، ولا اعتقد أن هذا الرقم أدنى مبالغة فأني أنا وحدي بلا بحث يستحق الذكر وبمجرد تقييد ما يعرض لي من ذلك في مناسباته العارضة وقعت على اكثر من ألف كلمة، وقد نشرت في الرسالة طائفة منها، فأحر بالباحث الذي يعنى بدرس الموضوع وتعقب الألفاظ أن يهتدي إلي أضعاف أضعاف ذلك. والذي أرجوه أحد أمرين، أن يطبع المجمع هذه الرسالة النفيسة: أو إذا كان ثم مانع معقول - ولست أرى أي مانع - فليطبعها الدكتور عيسى بك ولينشرها فإن الفائدة منها جزيلة، إذا كانت هذه الألفاظ السهلة المعروفة التي يفهمها كل إنسان متعلماً أو غير متعلم تغنينا عن ألفاظ مهجورة ميتة نضطر إلى الالتجاء إليها والاستعانة بها على التعبير فلا يفهمها أحد إلا بالشرح والتفسير أو الرجوع إلى المعاجم، وهذا كله عناء باطل لا يجوز تكلفه مع وجود الألفاظ المأنوسة.