على أن ينظما الزحف على برلين وإسقاط الحكومة؛ ولكن فون كار تخلى عن الوطنيين الاشتراكيين في آخر لحظة، ونظم هتلر وأصدقاؤه الحركة وحدهم، وبدأ الثورة بأن أطلق رصاص مسدسه على سقف محل للبيرة في ميونيخ في اجتماع حافل، وأعلن أن الثورة الوطنية قد بدأت ضد (حكومة برلين اليهودية). ولكن السلطات البافارية كانت على أهبة؛ فقتل عدة من رجال النازي، وجرح الكابتن جيرنج أخص أصدقاء هتلر وساعده الأيمن ولكنه حمل خلسة إلى إيطاليا؛ وقبض على هتلر ولودندورف. وصدر قرار بحل الحزب الوطني الاشتراكي ومنع اجتماعاته - نوفيمبر سنة ١٩٢٣ - . وبرئ لودندورف ولكن هتلر قضى عليه بالسجن في قلعة لخمسة أعوام - أبريل سنة ١٩٢٤ - . وزج إلى قلعة لانجسبرج فبقى فيها ثمانية أشهر كتب أثناءها كتابة المعروف (جهادي) وفيه يقص حياته ويشرح مبادئ الحركة الوطنية الاشتراكية وغايتها ويرد على خصومه اليهود. وهو مؤلف لا طرافة فيه ولا قوة، ولا ينم عن مواهب فكرية أو أدبية ممتازة، بيد أنه ينم عما تضطرم به نفس هتلر من عزم وجلد. ثم أفرج عنه. وكان حزبه قد تفرق؛ ولكنه عاد إلى جمعه وتنظيمه بنفس عزمه وهمته، وظهر يومئذ في الجماهير بمقدرته الخطابية وذلاقته وقوة تأثيره. وكان هذا التأثير ومازال اعظم خواصه ومواهبه. وكان يعمل عمله في صفوف الشباب بنوع خاص، إذ كان هذا الشباب الطامح يعانى من صفوف الشقاء واليأس والفاقة أشدها، ويتطلع دائما بحماسة ولهفة إلى طريق الخلاص المنشود. وظهر تقدم الدعوة الوطنية الاشتراكية واضحا في انتخابات مايو ١٩٢٤، إذ نال حزب هتلر نحو مليوني صوت تخوله في الريخستاج ٣٢ كرسيا. ثم فتر هذا التقدم خلال الأعوام التالية، أولا لتحسن الأحوال الداخلية ولا سيما الحالة الاقتصادية وانتعاش الآمال نوعا، وثانيا لان الحكومة المتوالية أخذت تشتد في مقاومة الحركة لما رأته من تقدمها وخطورتها. بيد أن الحزب الوطني الاشتراكي استمر في كفاحه، وعادت دعوته بعد وفاة شتريزمان وانهيار سياسة الوفاق واضطراب حكومة برلين من جراء ذلك، تسري في الجموع بسرعة، حتى بلغ أعضاؤه في سنة ١٩٣١، أربعمائة ألف؛ ونال في انتخابات ديسمبر سنة ١٩٣٠ نحو ستة ملايين ونصف مليون صوت تخوله في الريخستاج ١٠٧ كرسيا؛ ووصل ذروة ظفره في انتخابات يوليو سنة ١٩٣٢ حيث نال نحو أربعة عشر مليون صوت تخوله ٢٣٠