مرتبه ثلاثمائة ليرة سورية، وهو مبلغ في دمشق ضخم، تخرج من دارها كل يوم في عربة أو سيارة لا تستطيع لثقلها أن تمشي، فتطوف على بيوت الناس، فأصبحت تعرف عشرات من الأسر الغنية المبذرة. فلا يمر أسبوع لا تدعى فيه إلى عرس أو حفلة إلا كلفت زوجها كسوة جديدة. لأن من العار عليها أن ترى بثياب قد سبق فرئيت فيها من قبل. فتشتري الإزار والرداء (أو ما يقابله في الاصطلاح النسائي فما أعرف ماذا أقول. . .) والحذاء والجوارب، ويتراوح ثمن ذلك (كما حدثني المسكين وحلف لي) ما بين ستين وتسعين ليرة سورية فلا يقوم مرتبه كله بكسوتها. فيستدين ليتم لها ما تريد وينفق على نفسه وأولاده. حتى هذه الدين وأصبح مضطراً إلى بيع أملاكه المرهونة. . .
ومن النساء من لا تبالغ في الإسراف هذا المبلغ، فتكتفي بنصفه أو ثلثه، ولكن مرتب الموظف المتوسط نصف مرتب صاحبنا أو ثلثه، فتبقى النسبة على حالها؛ أما الموظفون الصغار كالمدرسين الذين يأخذون خمسين ورقة في الشهر وأربعين وثلاثين والصناع وصغار التجار، فتصور أنت موقفهم من نسائهم، فما يبلغ القول تقرير الحقيقة ووصف الواقع
ولست أزعم أن النساء كلهن عمياوات لا يبصرن حالة أزواجهن، وأن قلوبهن قد قدت من حجر فلا تشفق ولا تحزن، بل أن في النساء عاطفةً وحسَّا، ولكنهن يألفن حالة، فلا يطقن أن يراهن أحد على حالة دونها، ويستحيين من صاحباتهن ورفيقاتهن. . . ووراء هذه المشكلة الحزم في الأيام الأولى من الزواج (وهو رأس الأدوية كلها) وتقليل الاختلاط، والاقتصاد في زيارة الناس ومصاحبتهم، وليس من بأس بعد ذلك أن يخصص الزوج لزوجته مبلغاً من المال لكسوتها يدفعه إليها مشاهرة، ويدعها تفعل فيه ما تشاء، على أن تقنع به، ولا تسأله من بعده درهماً واحداً لكسوة أو ثياب. ولقد جرب هذه الطريقة كثير من الرجال فوجدوها صالحة مؤدية إلى الراحة والاطمئنان
مشاكل أخرى
إن من طبيعة المرحلة التي تجتازها اليوم أمم هذا الشرق الإسلامي: مرحلة الانتقال، أنه يلتقي فيها عصران، ولكنهما لا يأتلفان فيتحدان، ولا يختلفان فيتباينان، فينشأ عن ذلك هذا الازدواج في الحياة، فيعيش قوم في عصر مضى، وقوم في عصر لم يأت، فكيف يلتقي