للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كبيراً وحافظنا عليها ونقلناها من الامتحانات العامة إلى أنواع الامتحانات جميعها؛ وقد غلونا فيها وعمدنا إلى تنظيمها وتعميمها حتى شملت جميع المدارس وبعض كليات الجامعة مع الأسف بعد أن كان الواحد منا قديماً يأخذ معه في منزله أوراق الطلبة فيصححها باطمئنان على مهل ثم يعيدها، كما يفعل القاضي بالقضايا، وكما يفعل المهندس بالمقايسات والرسوم المختلفة، وكما يفعل سائر الموظفين في باقي الأعمال الهامة التي لها مساس كبير بمصالح الجماهير، والتي بالرغم مما نسمعه كل يوم من ضبط المختلسين والمرتشين لم يفكر أحد قط في جعل البحث فيها سرياً كما يجري عندنا، حتى لقد أصبح المدرس الذي يقوم طول العام على تعرف عقلية تلميذه ومقدرته ليس فقط ممنوعا من إبداء رأيه في نقله من فرقة إلى أخرى، بل هو فوق ذلك متهم في أمانته، متهم في ذمته، متهم في أخلاقه، مصاب في كرامته، فهل يصح بعد انتزاع هذه الثقة الغالية منه أن يؤتمن على تكوين الفضيلة وبث الأخلاق الحسنة في تلاميذه وأبنائه!!. . .

اللهم أنها نقمة حلت بالتعليم وأهله نسألك أن تزيحها عنهم حتى تعود الثقة بالمعلمين الذين يصفهم الناس إلى اليوم بهتاناً وزوراً بأنهم ورثة الأنبياء، مع أنهم جردوهم من أثمن الفضائل وأغلاها ولقد كان لانتزاع الثقة العامة من رجال التعليم الأثر البالغ في رجال السلطة التعليمية العامة الذين ينتخبون من بينهم فضعفت الثقة بين المراقبين والمساعدين، وبين المساعدين والمفتشين، وبين المفتشين والنظار والمدرسين الخ. . . وأصبح الواحد منهم يخشى الآخر ويحذره ويعمل ما استطاع على الهرب من المسئولية وإلقائها كلما جد الجد على غيره، فأصيب الكثيرون منهم بالضعف والخور وفقدان الشخصية. وصار كل منهم يتلمس حرفية القانون فينفذها فقط مخافة أن يقال له يوماً إنه خالف القانون وصار كل تفكيره منصبا على ما هو مكلف به من غير أن يفكر في إصلاح أو تجديد، لأنه يرى بعيني رأسه أن المتحمسين للتجديد المندفعين في تياره بما جبلوا عليه من حب للعمل والغيرة عليه كثيراً ما ينالهم الأذى من وراء ذلك إذا وقعوا في أتفه مخالفة للقانون حتى ولو كانت تلك المخالفة في صالح العمل وتقتضيها مصلحته. ونتج عن ذلك نتيجتان وخيمتان:

أولاهما: الجمود الفكري الذي استحوذ على المدرس في فصله والناظر في مدرسته. حتى

<<  <  ج:
ص:  >  >>