أقول وقد ناحت بقربي حمامة: ... أيا جارتا هل تشعرين بحالي؟
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى=ولا خطرت منك الهموم ببال
أيضحك مأسور وتبكي طليقة ... ويسكت محزون ويندب سالي؟
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ... ولكن دمعي في الحوادث غالي
وهذا الشعر يائس، ولكن القلب يتكلم فيه، لا الحنق ولا العصا، وليس منحوتاً في صخر!
في طليعة الشعراء العاطفيين في مصر إسماعيل صبري وولي الدين. وما اشتعلت العاطفة إلا في الأيام الأخيرة في صدر شوقي. ولقد اندفع إليها مضطرا. حمله عليها أبطال رواياته. فلا يسعنا القول أن شوقي شاعر عاطفي لكونه أنطق ليلى العامرية ومجنونها بالغزل والنسيب. فالموقف جره إلى ما كلف نفسه إياه. فنطق بيانه لا قلبه. كان مصوراً لا حساساً يعطينا من كبده
وفي هذه الناحية اختلف ولي الدين عن شوقي: ولي الدين كان عبد العاطفة. وكل شعره شذ به عن العاطفة كبا فيه. والدليل شعره السياسي. فأين هذا الشعر من القصائد المصهور فيها قلب ولي الدين؟
فبينا أنت إزاء ولي الدين العاطفي في حضرة شاعر من الطبقة الأولى إذا بك تجاه شعره السياسي أمام شاعر من الطبقة الثانية بل الثالثة، وأين قصيدة:
الله في وجدٍ وفي مأمِلِ ... من لي بعود الزمن الأول
قد كنت أشكو عّذلي في الهوى ... وها أنا أثنى على عّذلي
مللت عذب اللوم جهلاً به ... لو كنت أدري الحب لم أملل
من قصيدته في تهنئة سيد مصر يومذاك عباس حلمي الثاني:
هلموا بنا نحو الأمير نسَّلم ... سلام على عباس مصر المعظم
ألا أن في الأكباد شوقاً مبرحاً ... إليه فقد كادت من الشوق تدَّمى
ففي القصيدة الأولى تكلم قلب ولي الدين فأسمعنا أبرع الشعر، وفي الأخرى تكلم لسانه بما تقضي به المجاملات فعدا سجيته ولم يكن من الظافرين.
وهذه حال ولي الدين في قصائده كافة: يجلي في شعر العاطفة ويكبو فيما جاوز هذا الشعر. ولسنا بحاجة إلى الأمثال وهي موفورة في كل قصيدة من نظم الرجل. وأي جسامة في