أعلمت الهوى الذي أخفيه ... أي سر في القلب لم تعلميه؟
هو مأواك منذ كان وهل يح ... جب شيء في البيت عن ساكنيه
وقصيدته في رثاء أحمد خيري بك:
يا روح خيري حين جدَّ الرحيلْ ... قفي قليلا وكفانا الدليل
الموت قد بت الذي بيننا ... لم يبق منه غير حزن طويل
فلا صلة بين القصيدتين ولا قرابة: فكأن هذه من نبع وتلك من نبع آخر. وعلى المرء أن يعالج ما خلق له، وولي الدين على سمو منزلته في الأدب، وهو ممن يمشون أبداً في الطلائع والنظائر، لم يدرك الفوز فيما لم ينشأ عليه. لقد تفوق في شعر العاطفة وكان عليه أن يملأ به ديوانه فحسب، لا أن يجري على ما ليس فيه!
ومع أن من حق مصر أن تفاخر برجل موهوب من أبنائها كولي الدين فإنها لتحدق إليه شزراً كأنما يضيمها أن تتعرف إليه على حين تغبطها سائر البلاد العربية على أديب فريد في نثره وفريد في شعره العاطفي في هذا العصر
يقول الناقمون على الرجل إنه ساير الإنكليز فوقف عليهم قلمه، ورحب باحتلالهم وادي النيل، وجوابنا أن الإنكليز ساعدوا على ترقية مصر، فان يدهم في عمرانها غير منكورة عليهم. وفئة محترمة من زعماء مصر، وبينهم من تربعوا في العرش المصري وكانوا منه كالسوار من المعصم، اعترفت للإنكليز باليد البيضاء على وادي النيل. فان يكن ولي الدين جارى هذه الفئة فلا عليه. وقد سمعنا النحاس باشا نفسه، زعيم الوفد المصري، يتدفق بالشكر لإنكلترا على أثر إبرام المعاهدة المصرية الإنكليزية!
وثمة من ينعى على ولي الدين عبثه بالتقاليد، إذ حارب الخليفة، وتزوج مسيحية، وأطلق على أبنائه أسماء غريبة، فأنكره ذووه ومالوا عنه فعرف البؤس المرير:
تعوَّد كلٌّ بؤسها ونعيمها ... وعشنا على بؤسي ولم نتعوَّد
على أنه ما شأن الأدب في حياة الأديب الخاصة؟ هذه في واد وهو في واد. وإذا جئنا ندين الأدباء في حياتهم الخاصة اضطرنا إلى حذف تسعة أعشارهم من السجل. وهو مجهود سخيف!