للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

باختلاف القراء، ولهذا ينتهي كل قارئ غالبا إلى صورة أو فكرة لا يشترك معه فيها غيره، ولكي يكون حكم القارئ للشعر صحيحا، يجب أن يكون ماهرا، في إخراج نفسه من كل ما يؤثر فيه، بارعا، في فهم الحالات العقلية التي تلائم الموضوع الشعري الذي يقرأ فيه، كما يجب أن يتخلى عن كل النزاعات فلا يؤثر شيئا لقدمه، وبقائه، ولا يحتقر شيئا لجدته وحداثته

والإبهام كثيرا ما يأتي مما ترمز إليه الفكرة الشعرية، لان الفكرة الفنية لا تلهم القارئ دائما برموز محدودة، فمثلا إذا صور إنسان فتاة رامزا بها إلى الأنوثة ولم يعرف الناس ماذا أراد، رأيتهم يختلفون فيما بينهما اختلافا شديدا، هذا يقول إنه يرمز إلى الجمال، وذاك يقول إنه يرمز إلى الدلال، ويقول ثالث بل إلى الجلال، وقلما يهتدون إلى الرمز الحقيقي الذي أراده الرسام لصورته، وكذلك المناظر الطبيعية فهي لا تملي علينا فكرة محدودة، وهذا هو الذي يجعلنا نقول إن الإنسان يرى من الجمال في المرة الثانية ما لم يره في المرة الأولى، أي إنها توحي ألينا بألوان مختلفة من الأفكار العذبة والصور الساحرة، كلما نظرنا إليها وأمعنا فيها، وليس الأمر كما يظن الأستاذ فضلي من أنه يرجع إلى أننا لا نفهم الجمال مرة واحدة، إذ الجمال ليس مسألة حسابية يعوزها الفهم، ولا تمرينا هندسيا ينقصه البرهان، وإنما هو معين لأفكار كثيرة، لا مقطوعة ولا ممنوعة، ولن ينضب من هذه الأفكار الساحرة إلا إذا فنيت لا - قدر الله - حياتنا النفسية، ويتبين جمال إطلاق الشعرية من قيود التحديد في كثير من الآثار الشعرية، كما نجد في رواية هملت، فأن الناس يختلفون اختلافا كثيرا في شخصية هملت نفسه، ولا يكاد ينتهون إلى رأي واحد معين، ولكنهم مع ذلك يتفقون على أن هذه الرواية من أعظم أعمال شكسبير إن لم تكن أعظمها، وربما كان يستحسن - لهذا السبب - أن يعتمد الشعر على الإيجاز حتى يصبغ أفكاره بشيء من الإبهام والغموض يسمح لنا أن نستوحي من أفكاراً مختلفة جميلة، ولا يضع الإيجاز من قيمة الشعر بل هو على العكس يرفع منه ويسمو به إلى الأفق الأعلى، وإنما الذي يضع منه حقاً هو الإطناب الذي لا يزال بالفكرة حتى يظهرها عارية أمامنا، فسرعان ما نبتذلها ونحتقرها

وإذن فالغموض الشعري يجب أن نقدره التقدير اللائق به، فلا نغالي في ازدرائه وتحقيره، يجب أن نعرف أنه من أهم أسباب جمال الشعر وحسنه، ومن يدري؟ ربما كان من أهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>