فأشتهي أن أقول في هذا (الأفندي) أشياء كثيرة. وأقولها فعلاً، ولكن في سري؟ كما كانت تفعل حماتي. أي نعم حماتي، فقد كانت في هذا قدوة، ومثلاً يحتذى. وكانت إذا سخطت على إنسان، توسعه ذماً، وسباً، ولعناً، في سرها! وكانت تجد في هذا شفاء لغليلها، فتتبسم، وتتنهد، وتضع يدها على قلبها وتقول (أيوه كده! الحمد لله! كنت سأطق)
وأقول للغلام (ولكن أين نحن من هذا الموعد؟ أذهب، ونم)
فيقول:(لا يا بابا، لئلا أتأخر!)
فأقول:(يا أخي، وما ذنبي أنا إذا تأخرت حضرتك)
فيقول:(إنما أردت أن أسألك هل أصوم؟ لأني أكلت في السحور مع ماما)
فأهز رأسي، وقد فهمت، ذلك أن ماما لابد أن تكون هي التي أوعزت إليه أن يبكر فيسألني هل يصوم أو لا يصوم وأقول له:
(إنك صغير، جداً، والصيام غير مفروض عليك، ثم إنك ذاهب لتلعب، وتنط، فستجوع بسرعة، فيجب أن تأخذ معك طعاماً وإلا مت من الجوع)
فيسألني (وماذا آخذ معي؟ إنهم لم يُعدوا لي شيئاً)
فأغتنم هذه الفرصة، وأقول له (يا عبيط! كيف تقول أنهم لم يعدو لك شيئاً؟ أو تتهم ماما بمثل هذا الإهمال؟)
فيسألني (هل تعني. . .؟)
فأقاطعه وأقول بصوت كالهمس (أسمع، لقد هيأت لك ماما كل شيء، ولكنها لم تخبرك حتى لا تخرج قبل الأوان، ثم لتفاجئك فتسرك. . . ماما لطيفة، أليست كذكلك؟ (فيهز رأسه موافقاً) ولكني صرت أخشى الآن أن تتأخر، وقد قال لك الأفندي إن من يتأخر لا يشترك في الرحلة، فاذهب إلى ماما، وأيقظها بلطف، وصبحها بخير، وارج منها أن تعطيك ما هيأت لك. . . وستنفي لك أنها صنعت شيئاً، لأنها تعتقد أنك بكرت جداً، وساعتها كما تعلم واقفة، فأفهمها أن الوقت قد أزف، وخذ ما تعطيك. . . والآن أذهب، ومع السلامة، وإن شاء الله نراك ونراها بخير)
فيذهب مسروراً، فأنهض خفيفاً، وامشي إلى الباب على أطراف أصابعي، وأوصده