ومن هنا نرفض كل ما نقله المؤلف من فصل (منابت الأطفال) من كتابه (رسالة المنبر إلى الشرق العربي) مقدرين أنه لا صلة بينها وبين الأبحاث العلمية الحديثة في البيولوجيا
يقول المترجم:
(إن الدين يهاجمه نيتشه إنما هو صورة لأصل شوهها الغرب)
وهذه الفكرة تدور في كلامه، ذكرها في كتابه (رسالة المنبر) مراراً ورددها في مناظرته معي عام ١٩٣٧ وجاء يكررها على صفحات (الرسالة) أخيراً، وهاهو ذا اليوم يذكرها في تمهيد يقدم به ترجمته لكتاب زارازوسترا. ومع كل هذا فالفكرة خاطئة فالغرب لم يشوه الدين أخذه من الشرق، وإنما كل ما فعله، أنه جعله يتكافأ مع طبيعته الحيوية الإنسانية فأسبغ عليه صوراً ليست منه، ولكنها من طبيعته، فكان من ذلك صورة للدين تغاير الصورة التي هي عليها في الشرق
إذن فالتعبير بأن الغرب شوه الدين تعبير خاطئ، وصحة التعبير أن يقال إن الدين الذي أخذه الغرب عن الشرق كيفه على حسب طبيعته حتى يقبله، وهذا التكييف إن اعتبر تشويهاً في نظر المترجم هو في الواقع خلع للثوب الغيبي عن الأديان وجعله إنسانياً!
يقول المترجم:
(إن الدين قد أراد للإنسان تكاملاً روحياً يهيئه إلى إدراك باريه وراء المحسوس في حين أن نيتشه، وقد أنكر ما لا تقع الحواس عليه، أراد أن يفلت الإنسان من حدود إنسانيته على هذه الأرض فيجعلها جنة خلد يستوي عليها بجبروته إلهاً. . .)
ونحن نقول:
(إن نيتشه لم يفعل أكثر مما استلزمته عقيلته الآرية وعقله الإنساني المتحرر من تقاليد الماضي، وهو لم يحاول أن يجعل الإنسان يفلت من حدود إنسانيته بل عمل أن يرد الإنسان لحقيقته في عالم الطبيعة بعد أن حاولت الأديان أن تفلته من حدود الطبيعة وتجعله خاضعاً لما وراء الطبيعة، حتى أصبح الإنسان حيواناً ميتاً فيزيقيا)
إن وجهة النظر تفترق من اعتقاد ثابت بالغيب أو بإنكار لها وإيمان باليقين الواقع، ومن هنا فالفرق بيني وبين صديقي المترجم أنه رجل غيبي وأنا رجل ضد الغيبيات على خط