والناحية الغيبية عند صديقي هي التي جعلته ينكر التطور كحقيقة بيولوجية إذ قال:
(إن المخلوقات كلها في سلسلة الوجود لا تملك الانعتاق من حدود أنواعها مهما كرت القرون وتعاقبت الأجيال، لا يمكن للجماد أن يفلت من مملكته إلى مملكة النبات، ولا للبنات أن يجتاز حدود مملكة الحيوان ولا الحيوان، أن يجتاز ملكة الإنسان
لذلك كان الذاهب في طلب إنسان يتفوق على الإنسانية كالمحاول استنبات الشجرة حيواناً أو استبدال الحيوان إنساناً
لقد كرت القرون على مبدأ التاريخ الذي نعلم وعلى ما لا نعلم من حقب كرت ما وراءه، والإنسان لم يزل هذا المخلوق الدائر أبداً ضمن حلقة إنسانيته)
ويؤسفني أن يرجع صديقي فليكس فارس عن أفكاره عصره القهقري إلى أفكار القرون الوسطى
يقول أمين الريحاني فيلسوف الفريكة في خطاب لصديقه وصديقي فليكس فارس على صفحات المقتطف:
(ألا إن فليكس لصديق عزيز قديم. وقد طالما ترافقنا في جادات العقل والروح واتفقنا، بل كنا دوماً في طليعة الحملات حملات الحرية والعلم، على معاقل الظلم والظلام
وإني لأرى فليكس اليوم في غير تلك الطلائع والحملات، إني أراه اليوم واقفاً في المؤخرة وهو يتلفت إلى الوراء ويجنح بعض الأحايين إلى جادات لا أثر فيها للعلم الحديث، وللنزعات الفكرية الحرة. .!)
وإني وإن كنت أوافق فيلسوف الفريكة في الشطر الثاني من كلامه عن صديقي فليكس، فأنني لأشك في صدق الشطر الأول منه، في وقوف صديقنا فليكس في طليعة حملات العلم، ذلك أنني لا أتصور إنساناً يقف في طليعة حملات العلم، ولو قبل الحرب العظمى ويكون منكراً للتطور. لقد كان فليكس فارس في طليعة حملات الحرية في سوريا قبل الحرب، ولكن لم يكن في طليعة حملات العلم. هذه حقيقة يجب أن نعرفها. إن كانت للصداقة واجباتها فإن للحقيقة حقوقها. . .
بالأمس كنت أقلب بين يدي كتاباً عن نظرية التطور عند القدماء لأوتو فولنجر الكاتب