وليس الغرض من ذلك تقوية الجسم واعتدال الصحة فحسب، بل هناك فوق ذلك غاية أخرى لا تقل أهمية عن هذه وهي تكوين الخلق القويم بتعويد الطالب مغالبة الصعاب والاحتمال والصبر وحب النظام واحترامه وإطاعته وحب التضامن والتعاون مع غيره من أترابه وإخوانه. وهذه كلها أمور تتطلبها الحياة الاجتماعية اليوم وتدعو إليها النهضة القومية. ويعقب ذلك مباشرة الاهتمام بمسائل الرحلات والإكثار منها فلا يصح أن ينقضي أسبوع من غير أن تقوم المدرسة برحلة رياضية في الهواء أو في الصحراء أو في النهر أو البحر أو في الحقول الخضراء اليانعة، حيث يدرس التلاميذ بطريق غير مباشر طرق المواصلات وطبيعة الجهة صحراوية أو إقليمية أو بحرية وما يجري فوق سطح البحر أو تحته مما ينتفع به الناس. هذا إلى الرحلات العلمية التي يجب أن يقوموا بها لدراسة طبيعة البيئة المحيطة بهم، وما يجري فيها من صناعات وتجارات وزراعات. فالواجب على المدرسة أن تجعل من نفسها قطعة من الحياة الاجتماعية العامة المحيطة بها، وعلى المدرسة كذلك أن توجه عنايتها إلى خلق المشروعات الاقتصادية والخيرية بين جدرانها. وإن في قيام التلاميذ بحركة مقصف داخلي بها حيث يقوم بعضهم بشراء مستلزماته ويبعها وإيجاد سجلات لذلك وتدوينها، كما أن في قيامهم بصنع بعض الأدوات المنزلية البسيطة من الخيزران والجلد والقش الخ وبيعها في أسواق خيرية يقيمونها - لعملاً نافعاً يستحق الاهتمام والتشجيع.
وناهيك بما يمكن أن يقوموا به فوق ذلك من أعمال البر والإحسان إلى اليتامى والفقراء والمساكين مما يبعث في نفوسهم الشفقة والرحمة. وهو أمر نادر الوجود بالمدرسة المصرية اليوم بينما نجده عملاً ضرورياً في كل مدرسة أجنبية. وعلى الأخص في مدراس البنات إذ يغرسون في قلب البنت العواطف الكريمة: عواطف الرحمة بالضعيف والشفقة على المسكين، والبر بالعاجز واليتيم. وإن من وجب الواجبات إدخال هذا النظام سريعاً والعمل به لما يخلفه من جو كريم ملؤه العطف والحنان ولما يريبه في الصغار من حب البذل والجود في سبيل الخير. وكثيراً ما سمعنا عن مدارس أجنبية بين ظهرانينا تقوم بعمل الكسى وتوزيعها هي والحلوى في أيام الأعياد على الفقراء والمساكين. وإذا كانت المدرسة المصرية قد استحدثت في سنيها الأخيرة نظام توزيع الجوائز على المتفوقين علمياً من