كل فان يشبه طريد جنة دعن، عندما طرده الإله من الجنة السماوية، فلمح بنظره الحدود المشؤومة التي تحيط به، فجلس باكياً على الأبواب المغلقة دونه. سمع من بعيد، من المسكن الإلهي زفرة الحب الخالدة، ونغمات السعادة، وأغاني الملائكة المقدسة، تصل إلى أحضان الإله لتمجد فضائله، فهبط من السماء، ثم أطلق نظراته من عنانها، فوقعت على مصيره المؤلم. . .
- ٥ -
يا لبؤس من يسمع أناشيد عالم يهواه وهو ناء في منفى الحياة السحيق!
يرى الطبيعة تناضل خمر الخلود التي ارتشفها
يتأرجح كالحلم، عندما يرى الحقيقة ضيقة في مكانها، والمستحيل واسعاً في فضائه، والروح مثقلاً بالميول لا يجد مأوى يغرف منه حباً وعلوماً أبداً. والرجل في محيط الجبال والنور، ظمآن، لا يروي غله، فيكسر بالأحلام، كي تعذب رقدته، ويعود إلى نفسه إذا ما فاجأته يقظته
- ٦ -
وا أسفاه! ما كانت أخرتك؟ وما هي مقدراتي؟
فقد شربت مثلك، كأس الشك مترعة
وعيناي كعينيك، فتحتا الأجفان دون أن تنظرا!
فعبثاً فتشت عن كلمة الوجود. طلبت أسبابه من الطبيعة. سألت أخرته من كل مخلوق. واستفهمت من القلم حتى ألم. فرجع طرفي كليلاً، ونظري حسيراً، قبل رؤية قرار هوة العالم
كشفت غطاء الأزمان التي هرعت، وأرجعت الأجيال التي مرت، ماراُ بالبحار، مردداً أقوال الفلاسفة، ولكن العالم بقى أمامي، كما هو أمام علماء اللاهوت (كتاباً مغلقاً)