هل يحتمل الكاتب القصصي مسئولية ما من جراء ما ينسبه لأشخاص قصته من الأعمال والأقوال؟ يحدث أحيانا أن يتصور شخص ما انه لظروف ومشابهات خاصة هو المقصود بالتعريض والتجريح في صورة بطل من أبطال القصة، فهل يؤخذ الكاتب القصصي في تلك الحالة بما كتب؟ أجاب القضاء البلجيكي على ذلك بالإيجاب في قضية أدبية تثير اليوم في الأوساط الأدبية والمسرحية الفرنسية والبلجيكية اعظم الاهتمام
فقد ظهرت أخيرا للكاتب البلجيكي الكبير بيير اوبرمون قصة عنوانها:(تشجع يا مونترشان!) يصف فيها سير المعركة الانتخابية في إحدى نواحي الريف، فلم يمض على ظهورها قليل حتى رفعت عليه قضية من خمس أشخاص يقولون انهم عرفوا أنفسهم في أشخاص القصة وانهم هم المقصودون فيها بالتعريض والتجريح وطلبوا الحكم بالتعويض على الكاتب، فقضت لهم محكمة (هنيو) عليه بتعويض قدره واحد وعشرون ألف فرنك
وقد تناول الكاتب الفرنسي الكبير جورج دوهامل هذه المسألة في مقال يحتج فيه على هذا المبدأ بقوة ويقول:(لعلنا نلزم غدا كما ألزم اوبرمون أن ندافع أمام ثورة المتهوسين والحمقى، ثم أمام القضاء عن كتبنا ومخلوقاتنا، وأبناء عنائنا وتأملاتنا، وربما أرغمنا على أن ننكر نفس مبادئ هذا الفن الذي تغذيه الحقيقة)
(فليعلم قضاة بربان (بلجيكا) والعالم اجمع أن القصصي الحق لا يصور فلانا أو فلانة لكي يغضب أفاضل الناس، ولكنه يقصد ما هو ارفع، فهو يقدم بذلك نصيبه في تاريخ الرجل وتاريخ المرأة. فإذا صور فلانا في صورة ما، أو نسب إليه قولا ما، فانه يؤدي واجبه كشاهد، فلا تطلبوا إليه أن ينظم العالم إذا لم تسمحوا له أن يحكم على المناظر، ولا تلوموه أن يرى بوضوح وأن يسمع الحق، فإنما تؤاخذونه إذا رأى شيئا أو سمع شيئا؛
(ان جميع القضايا المماثلة قد أعيد النظر فيها على يد الجيل اللاحق، وقد أعاد النظر فيها دائما وهو يبتسم)