فالطبيعة هي جوه الفسيح فكيف احساساته بتكيف المظاهر المتقلبة فيه، وإذا خرج الشاعر عن هذا الجو خرج عن نفسه وكذب على نفسه)
هذا ما يقوله أو شبكة عن المدارس الشعرية التي حسن لدى الغربيين أن يدعوها مدارس. وإنا لنرى الفرصة سانحة في معرض هذا البحث لنقول كلمة موجزة عنها وعن الخطأ في تصورها وتسميتها
إذا صح أن نطلق مدارس على المذاهب العلمية والفلسفية فهل يصح أن نطلق هذه التسمية على أساليب الشعراء في بيانهم وعلى ما تستلهمه الأنفس من سرائرها ومما حولها من المشاهد؟
إن أتباع المدارس العلمية والفلسفية ينقسمون أرهاطاً على عقائد معينة تختلف إحداها عن سائر اختلافا بيناً، فهنالك طرائق وأوليات يسلم بها أشياع كل مدرسة كأنها قانون إيمان إن جنح عنه واحد منهم خرج حتما من رهطه ليدخل في رهط مدرسة أخرى. وأين في الشعر مثل هذا الإجماع ما دامت السليقة وحدها هي المتحكمة في خواطر الشاعر وإحساسه ولهجته وطريقة بيانه؟
لذلك يقول لك أبو شبكة:
(إن بول فاليري الذي جاءنا بنظريات خلقت في الأدب الغربي جيلاً مضعضعاً لم يحد عن صراط (ماليرب) ولم يتمرد على القاعدة الكلاسيكية في النظم؛ وإني لأجد في شعر فاليري أبياتاً يستطاع دسها في شعر لامارتين)
إن التضعضع الذي يشير أبو شبكة إليه إنما تشاهده بين فئة المتأدبين والمتشاعرين في كل أمة، لأن المشتهرين في كل نوع من أنواع الفنون ينتصبون في خيال محاولي الإبداع مثلاً عليا يطالبونها بخلع العبقرية عليهم كمكافأة لتقليدهم وتصنعهم
أما الفنان الحقيقي فان طابع شخصيته يتغلب على جميع المؤثرات التي تدور به والخاطرات التي تتسرب إلى سريرته من مطالعاته، فهو يريك أبداً سماءه في إنشائه، ويسمعك نبراته في موسيقى بيانه، حتى ولو تجلت في أقوال من تقدموا وعاصروه من أهل فنه
إذن ليس في الفن - وأخص منه البيان على الإطلاق - ما يصح أن يدعى مدرسة؛ وإن