للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نفسها فيه وتمتعها بذلك الإدراك. . .

إن أقل ما يجب عقلياً (لروح الوجود) وخالق هذا الكون العجيب أن يتصف بصفات الإنسان العادي المتوسط المحترم بين الناس - بله السوبرمان - فكيف يسلبون المشيئة الغالبة على الكون الصفات الضرورية لبعض ما أوجدته؟! كيف يعطى الخالق ما لا يملك هو من صفات التدبير؟

مهما فلسف الإنسان فلن يستطيع أن يهدم الإيمان العام بحقيقة (السببية) البديهة المستقرة في كل نفس إنسانية أو حيوانية استقرار وجود تلك النفس.

ومنذ عهد (طاليس) إلى الآن ما استطاع فيلسوف أن يغزو فطرة الإنسانية في إيمانها بهذه الحقيقة وينتزعها من إلهامها؟ ولئن كان بعض الشذوذ والانحراف يحمل بعض المتأملين على الاعتقاد بأنه هدمها في نفسه هو، فلن يحكم العقل العام عليه إلا بالجنون!

إن الطفل حين يلتقم ثدي أمه لأول مرة بعد ولادته ليحس الشبع لأعظم مفحم لأكبر فيلسوف يهدم تلك الحقيقة. . . بل إن إدراك البذرة للإنبات في الظلام والثرى المبلل لأدعى إلى اعتبار تلك الحقيقة من الإلهامات الفطرية في كل الكائنات الحية.

والذي يزعم نفسه عاقلاً قادراً على أن يحكم على (روح الوجود) بما يريد ثم في الوقت نفسه يسلبه - عز وتعالى عمال يصفون! - قوة الحكم والتدبير والإدراك فجزاؤه. . . ما جزاؤه؟ إن اللغة تضيق عن نعت له يرضي غيظ السموات والأرض من دعواه! جزاؤه أنه قال ما قال وذلك حسبه لعنة. . .

(ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق)

(من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ)

فما بالك بمن ينكره بتاتاً أو يرميه بالطيش والهوج!

وما يجب أن يلتفت إليه أن أجرأ الناس على الشك في الخالق أو الإلحاد في ذاته وصفاته كان مبعث جرائتهم السكر والتخدير. . والسكر نوعان كما بينا في مقالنا (حنظل وتفاح): سكر باللذة وسكر بالألم. وجرأة السكارى باللذة جرأة سطحية، جرأة طيش وسخرية واندفاع كجرأة الخيام والنواسي. ولكن جرأة السكارى بالألم جرأة غيظ وحقد وعناد وتمرد وقنوط

<<  <  ج:
ص:  >  >>