ثم تساءل: ومن أدخلني في هذا البيت من غير أن يستشيرني؟
ثم تساءل: ومن سيخرجني من هذا البلد من غير إرادة مني كذلك؟
تلك الأسئلة الأربعة هي أبواب الإيمان بخالق. ومن بين الأجوبة عرف الإنسان صفات هذا الخالق من وحدة وعلم وحكمة وقدرة وقهر وقدم وبقاء وإرادة وغيرها من الصفات، ثم أحس الإعجاب بذلك الخالق المبدع، ثم أحس الحب كل الحب له، لأنه أكرمه ونعمه حين أخرجه من العدم وأسبغ عليه الحياة مع أدوات الإطلاع عليها، ثم أدام الفكر فيه. ومن الحب والفكر نشأت العبادة. . .
أما كنه ذات الخالق وزمانه ومكانه وشئونه وغاياته وأسرار صنعته، فأولئك أمور يستطيع الإنسان أن يدركها حين تستطيع النملة الصغيرة أن تدرك المحيط الهادي! ولله المثل الأعلى. .
تلك هي حدود الإيمان بخالق، في تفكير بسيط متزن لا لجوء فيه إلى غيبيات وسمعيات، وإنما إلى مقدمات عقلية هي (قدر مشترك) في عقل الفيلسوف وعقل الفلاح، والمتمدن والمتوحش وهي ما يمكن سلوكه من الطرق إلى تبيين جذور الإيمان، بالتفكير. ولا داعي بعد ذلك إلى ما لا يفهمه العقل العام المشترك بين زنوج أفريقية وأقزام الإسكيمو وفلاسفة الشرق والغرب. ولكن ما هو مصير الإنسان؟
ذاك سؤال يكاد يكون له قيمة الأسئلة الأولى عند كثير من الناس غير أن هناك فارقاً كبيراً بين قيمة الجواب عليه وقيم الأجوبة على الأسئلة الأربعة. ذلك لأن الجواب عليه متفرع من الأجوبة السابقة ولا يصح إلا إذا صحت هي. بل قد يكفي بعض العقول ويريحها من حيرتها أن تؤمن بالخالق وبالحياة الدنيا فقط ولم يكن هناك مصير آخر يحيا فيه الإنسان. لأننا لا نستطيع أن نبحث في غايات الخالق لعجزنا عن ذلك البحث (وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً)(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)
وتكفي الحياة والأنعام بها على من خرج إليها وأحسها، سواء كان على نعمى أو بؤسي، وازعاً للإيمان وحبه والتقرب إليه. أما الحساب على الخير والشر، فالخير جزاؤه فيه والشر جزاؤه فيه.
وهذه نزعة صوفية متطرفة تشذ عن العقل العام، والقدر المشترك ولا تتحاكم إلى سنن