للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخالق وقوانينه في الفطرة ولا تطلب منه أن ينفذ ما كتبه على نفسه وقد كتب ربكم على نفسه الرحمة: ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه)

ذلك استطراد لجأنا فيه إلى الاستشهاد بالقرآن مخالفين ما اتبعناه في بحثنا تسليم وخير مطلق عن تلك النفوس التي ترى أن تفنى في إرادة الخالق (إيما إلى جنة إيما إلى نار)

ونعبده من غير شيء من الهوى ... ولا للنجا من ناره وعذابه

(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه)

ونعود فنقول: إن كل ما في الأرض من قرائن يدل على أن الإنسان هو المقصود بالخلقة فيها، وما عداه فمخلوق له لينتفع به. وله من حياته الفكرية والنفسية ما يشعره بها القصد. فأنها حياة سامية غاية السمو معقدة غاية التعقيد فيها جانب عظيم غير خاضع للحياة الحسية الأرضية، ويكفي في سموها أنها حياة متيقظة لنفسها ومتيقظة للدنيا كلها باحثة عن أسرارها المخبوءة فيها وراء الأجرام والكثافات، حالمة بصورة علوية لكمالها هي وكمال الدنيا، تزعم أنها قادرة على تنقيح الطبيعة، وإعادة الخلقة كلها على وجه آخر أكمل! وقد وصلت بالفعل إلى بعض مفاتيح الطبيعة عن طريق العلم وهي تفكر الآن بجد للوصول إلى المفاتيح الأخرى، وستصل

والقرآن يقول: (سنريهم آياتنا في الآفاق. في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) وقد ابتدأت الآيات في عالم الآفاق وعالم الأنفس بأعاجيب، فما بالك بما تنتهي إليه؟ ويقول: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها صيداً) وتأمل في قوله (وظن أهلها أنهم قادرون عليها) فإذا عرفت أن (الظن) هو الأفق الذي تحت العلم والجزم مباشرة تبين لك مقدار ما ستصل إليه قدرة الإنسان في الآباد الآتية حتى يتوهم أنه قادر على الأرض. فهل من المعقول بعد تلك القيمة العظيمة للإنسانية أن تمضي من الحياة كما تمضي الحشرات والبذور من غير مصير علوي يتحقق فيه القصد من حياتها الأرضية التي خلق فيها كل ما في الأرض؟ إن سنة التطور والترقي التي يقول بها العالم الحالي تأبى التسليم بهذه الخاتمة الأليمة لتلك الحياة الإنسانية الرفيعة. . .

تقول بعض الفلسفات: إن الحل لهذه المشكلة هو في القول بالرجعة المستمرة إلى الأرض بالحياة في الأفراد الآتين من النوع. فالكمال الذي ينشده الأفراد ويحملون به سيتحقق في

<<  <  ج:
ص:  >  >>