للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

النوع. وكان الإنسانية في خيال هؤلاء هي المعنى الواحد في الأفراد. أما أجسام الأفراد فهي أثواب تنضوها الإنسانية في الأجيال المتعاقبة وتلقيها جثثاً ميتة على طريقها إلى غايتها. . .

ولكن في هذه الفلسفة إهداراً تاماً للفرد وارتداداً بالإنسانية إلى أفق واطئ جداً هو أفق النيات والبذور، دع عنك أفق الحيوان. ونظرة واحدة إلى إخراج الأفراد من الأرحام بصور متعددة الوجوه وشكول مختلفة في العقول والنفوس - وهذا في الإنسان فقط - تحملك على الجزم والاعتقاد بأن القصد في الطبيعة متوجه إلى خلق الفرد بالذات وإحساسه على انفراد بالحياة التي فيه هو، وأنه مخاطب وحده من (إرادة الحياة)

وإن هذه الفلسفة لتبعث القنوط في الفرد لأنه يشعر معها كأنه مسمار في نعل الإنسانية! وإنها لتبعث فيه الشرود والجموح في الحياة لأنه لا غاية فردية له من حياته، ولا هو يدري الغاية من وجه الإنسانية كلها. . .

وإذا كانت الشيوعية لم ترضها الإنسانية في الغايات الاقتصادية فتنفي فيها جهود الأفراد للمجموع فناء مطلقاً فكيف ترضاها في غايات الحياة؟

وفي قنوط الأفراد وفي جموعهم دواع إلى خسة النفس ودناءتها وثورتها على الحياة بحيث لا يرجى للإنسانية بعدها ترق ولإصلاح للحياة الجمعية.

الحق أن الفرد مقصود بالخلق، مخاطب من واهب الحياة رأساً بما فيه من الإدراك مراعي فيه تمييزه بصورته ونفسيته ليشعر بفرديته وغايته الأنانية أولاً. والقدر المشترك الذي بينه وبين الإنسانية لا يحمله مطلقاً على الاعتقاد بأنه فيها كبذرة في نوع من الشجر، ولا كمسمار في نعل، ولا هو يشبه أخاه كما يشبه الغراب الغراب، والنملة النملة. . . فالفروق بين أفراد الأنواع الأخرى فروق ضئيلة لا تكاد تميز في الصورة ولا في الإدراك بخلاف الإنسان فان تنوع صوره الظاهرة والباطنة أمر محير!

(وبعد) فإني لأتساءل دائماً: ما الذي أوجد في نفوس الإنسانية ذلك الشعور الثابت بأنها لا تفني ولا تنتهي حياتها بدخولها المقبرة؟ ولماذا لم تحملها إرادة الحياة، على غير هذا الشعور لو أن الأمر كان غير ذلك؟

ثم لماذا نجد في خيالنا صورة لحياة كاملة لا قيود فيها للجسم ولا للروح؟ من أين لنا هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>