منذ أن أصدر مليتور دي فوجويه كتابه عن الفن الروائي الروسي، تجلت أمام أعيننا - نحن الفرنسيين - آدابكم الخالدة، وكنا قبل ذلك في حالة جهل ساذج لا نعرف ماذا يكتبون وكيف يفكرون في بلادكم، لا نعلم بوجود تلك العبقرية النادرة التي يمثلها في بطرسبرج وفي موسكو كتاب ومؤلفون ألموا بمختلف نواحي الأدب، وكان من جراء هذا الحدث التاريخي أن تطور الأدب الفرنسي وانتحى ناحية جديدة، فهل هناك روائي فرنسي يستطيع أن يؤكد لنا أنه لم يتأثر بهؤلاء العباقرة في دائرة قوته وذوقه الأدبي
(لقد جاءنا تولستوي بأشياء كانت مجهولة عند أمثال موباسان وفلوبير وستندال، وهي أنه من المستطاع تشييد عمل فني حول مشكلة أخلاقية، وعلمنا دستويفسكي أن في الإنسان شيئا آخر غير الشعور العام الذي أوضحه الأدب الفرنسي في القرن السابع عشر، بل أنه يوجد في كل فرد منا عالم خاص من الشعور الغامض المظلم دفعنا دستويفسكي إلى أن نستكشفه ونتبينه، أما دروس تورجنيف فلم تكن ثمينة إلى هذا الحد، لانه كما يظهر تتلمذ على الأدبالفرنسي ولكن فنه الرائع كشف لنا عن عقليتكم وشعوركم وطبيعتكم.
(وإلى جانب هذه الأسماء العظيمة، يجب أن أضيف اسما آخر، فليس كتاب دي فوجويه وحده هو واسطة التعارف التي بيننا وبين هؤلاء الكتاب، فهناك بريميه الذي يحدثنا عن بوشكين ذلك الفنان الملهم والشاعر الروسي المحبوب، الذي اتضح لي بعد قراءته أن هناك صلة وثيقة بين فنه وأدب ايفان بونين، ذلك الفن الذي يذكرنا - نحن الذين تسممنا بأفكار علماء النفس وعلماء الوعظ - بأنه لا حاجة بنا مطلقا إلى خلط الخير بالشر)
كتب ايفان بونين إلى الآن نحو عشر روايات كلها تفيض بالنزعة الانسانية وتحقيق المثل الأعلى، منها: كأس الحياة، والليل ورجل من سان فرنسسكو، وسر الحب المقدس، ثم (القرية) التي يقول عنها مكسيم جوركي إنها (خير ما كتبه الروائيون عن الفلاح الروسي) والتي أنصف فيها بونين هذا الفلاح - الذي لم تغيره النظم الحالية - خير إنصاف، لأنه إذا كانت القيصرية قد ظلمته، فان البلشفية غمطت حقه وازدرته في الوقت الذي شادت فيه ورفعت من شأن العامل هناك.
وقد أخرجت المطابع في الفترة الأخيرة، رواية بونين الخالدة (حياة ارسنيف) ومن المؤكد