للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن تجشم صعوبات هائلة وذلل عقبات كبيرة.

ولا شك في أن أغلبنا يعرف عظم ما ندين به لصمام الحرارة (الثرمونيكي) الذي اخترعه الأستاذ (فلمنج) ولا يخفى علينا أن ذلك الصمام ينبعث من كوكبة (هي المصباح الكهربائي) ولكن كم منا يذكر أن هذه الكوكبة لم تكن لتوجد لولا تلك الأنبوبة المفرغة التي ابتكرها سير وليام كروكس؟ على أن هذه الأنبوبة التي كانت فكرة تتردد في مخيلة ذلك الرجل المستطلع، صارت فيما بعد مهداً للخوارق التي بذت جميع ما سبقها من أعمال قوى الطبيعة الغامضة، فقد اكتشف فيها وبوساطتها أشعة (إكس)، وإن من العسير أن نذكر نصف المدهشات التي تأتت من هذه الأنبوبة العجيبة. . .

إننا نعيش كل يوم على المواهب الباهرة التي قدمها لنا (هنري كافنديش) الذي اكتشف غاز الأيدروجين، وجوزيف بريستلي الذي اكتشف الأكسجين، والكمياوي الفرنسي لفوازييه الذي علمنا وظيفة التنفس. . . ولكننا قلما نفكر في الأحلام الطويلة التي استرسل فيها جميع أولئك الفطاحل، ولعلنا ننسى أن بريستلي فر إلى أمريكا قانعاً من الغنيمة بالسلامة في سبيل كرازته عن الأكسجين، وأن الفرنسيين قضوا على حياة لفوازييه بحد المقصلة الجهنمية مجاهرين بأن الجمهورية ليست في حاجة إلى جمهرة الكيميائيين، وأن العدل يجب أن يأخذ مجراه

إن هذه الفيافي التي نجوس خلالها مترامية الأطراف وعرة المسالك ولكنها عظيمة حقاً لأن رجالاً مجدودين عظماء قد عبدوها وأخضعوها لسلطاننا حباً في العلم والعرفان، لا طمعاً في الربح والكسب:

مقاديم وصالون في الروع خطوهم ... بكل رقيق الشفرتين يماني

إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم ... لأية حال أم بأي مكان

على أن هذا لم يكن قصارى جهدهم فان أولئك الناس الذين كانوا ينهضون للعمل مبكرين ويهجعون متأخرين ليكتسبوا من الطبيعة أدق أسرارها وغوامضها ويستغلون أعظم قوى اقتدارها من أصغر الذريرات الكائنة، قد رصدوا ساعاتهم للكد دون أن يعرفوا طعماً للراحة؛ وكانوا إذا تمت المعجزة على أيديهم وتمكنوا من استخدام الجوهر الفرد في هد الرواسي وزلزلة الجبال وفي إفادة العالم - الذي يكونون جزءاً غير منظور منه - يقدمون

<<  <  ج:
ص:  >  >>