للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه المعجزة دون قيد ولا شرط، ويطلعونها عليه طلوع الشمس التي تحفظ الحياة على الأرض. ونحن جميعاً نجني ثمراته ونتقاسمها دون أن نبذل في سبيل الحصول عليها فلساً واحداً. وهكذا تتتابع فصول تلك القصة العجيبة التي بدأت مذ شرقت أول شعاعة من شعاعات العلم والمحبة تبدد الظلمات الداجية والأطماع الأشعبية من العقل الهمجي والفكر المتوحش القاسي. وإننا لن نجد ما يتلو علينا فصول تلك القصة مراراً وتكراراً، بل إن أفصح من ذلك الذي تحدثنا به تواريخ الطب والجراحة الفائقة عطفاً وحباً ورحمة. فما من مصل مما يستعمل لشفاء الأمراض إلا وينتمي إلى ذلك المصل الواقي الذي منحه للعالم بسخاء دكتور جنر لحمايتنا من تبريح الجدري. ولا تجرى عملية عظيمة على يد أحد الجراحين اليوم إلا ونجد الجراح والمريض يلهجان بحمد العزة الإلهية من أجل جيمس سميسون الذي جعل القيام بالعمليات الجراحية الخطيرة ممكناً ميسوراً بفضل اكتشافه جواهر المخدرات التي تفقد الإحساس بالألم. أما لويس باستور الذي علم الناس التحرز من المرض بالتطعيم وحفظ الأغذية والسوائل العضوية بالتعقيم فلم يتقاضى على جهوده غير الثناء والشكران. وجاء جوزيف لستر واتبع أفكار باستور واستخدمها في محو الألم ودرء السموم عن الأجسام فكان عدد الذين أنقذهم من الموت أكثر من الذين أبادهم نابليون، وضفر للسلم من أكاليل المجد فوق ما ضفرته الحرب لا عظم أبطالها الظافرين. وقضي حياته وهو يكدّ ويحلم ويحقق حلمه، وبفضله أصبح ميسوراً للجراحة اليوم القيام بكافة صنوف العمليات واصبح الطبيب القادر على أداء تلك العمليات يفاخر بما أسدته إليه طريقة لستر من تفادي التسمم بل أصبح ينشرها للملأ فيكبر لها مشاهير الجراحين وينهل من فيضها جماعة الطلاب المتعطشين ويجعلونها قبلة أنظارهم

وأحسن وجه في الورى وجه محسن ... وأيمن كف فيهم كف منعم

ولقد كان لستر يتقاضى مبلغ خمسمائة جنيه من موسر يجري له إحدى عملياته، أما الأجر الذي كان يتقاضاه من فقير لاجئ إلى أحد المستشفيات الخيرية فلم يكن يتعدى عبارة (أشكرك يا سيدي) تتدحرج على شفتي ذلك البائس بصوت مختنق متهدج؛ وكان الرجل العظيم يعود إلى بيته بقلب يطفح شكراً لله تعالى الذي آتاه القدرة على تخفيف بلاء المفلوكين

<<  <  ج:
ص:  >  >>