دي كومنين، أعظم أصدقائي في دنياي، فاستطرد وقال: وما رأيك في ذلك المعهد بعد أن زرته مرتين؟ فقلت: إن الغاية نبيلة ولكن تحقيقها صعب، لأن هذا الرجل، يريد أن يصل تلاميذه إلى البكالوريا المصرية والبكالوريا الفرنسية في وقت واحد
ثم انتقلنا بسرعة إلى الأصول التي يجب أن يراعيها أساتذة اللغة العربية في المدارس الأجنبية. فقلت إن الخطر كل الخطر أن يفهم تلاميذ تلك المدارس أن عندنا لغتين، الفصيحة والعامية، فهذا الفهم الخاطئ يشعر التلاميذ بأن اللغة الفصيحة لغة ميتة وأن مكانها يشبه مكان اللاتينية بالنسبة إلى الفرنسية والإيطالية
وهنا يحسن أن نسجل ما اتفقنا عليه في ذلك الحوار الطريف
اتفقنا على أن التلميذ إذا كتب (محطة باب الحديد) فليس من واجب المدرس أن يشطب كلمة (محطة) ويضع مكانها كلمة (محط) بحجة أن هذا هو اللفظ المختار في كتب المطالعة المدرسية
وإذا كتب التلميذ (بائع متجول) فليس من حق المصحح أن يشطب كلمة (متجول) ويضع مكانها كلمة (جائل)
والتلاميذ جميعاً يقولون (قط) بضم القاف كما يقع على ألسنة الناس في أكثر البلاد العربية، فليس من الحتم أن نصحح هذه الكلمة كل يوم وأن ننص على أنها بالكسر، لأن سيرورتها مضمونة تشهد بأن الضم لغة من اللغات وإن لم تنص المعاجم على ذلك
وإذا قال التلميذ (فرشة) فليس من الواجب أن نفرض عليه أن يقول (فرجون) لأن الفرشة ذاتها مخففة من الفرجون
وإذا قال التلميذ (أجفف وجهي بالفوطة) فلا تفرض عليه أن يقول (القطيلة) لأن الكلمة الأخيرة مهجورة ومنسية وثقيلة، ولا كذلك للكلمة الأولى فهي مأنوسة ومألوفة لجميع الناس.
وإذا قال التلميذ جلست على (السفرة) فلا تحتم عليه أن يقول (المائدة) لأن السفرة كلمة فصيحة وإن كان العرف نقلها من وضع إلى وضع.
وإذا قال التلميذ (الليالي القمراء) فلا تلزمه بأن يقول (الليالي القُمر) لأن الكتاب في العصر الحديث تسامحوا في هذه القضية، ولأن أسئلة الامتحان بوزارة المعارف جاء فيها مرة كلمة (الليالي القمراء) ولأن للشيخ النجار كتاباً اسمه (الأيام الحمراء) ولأننا نستثقل عبارة