السهرات الوجدانية لها في ماضيهم وحاضرهم مكان ملحوظ؛ وهم يشدون إليها الرحال من أرض إلى أرض، وقد يتحملون في سبيلها ما لا يطاق.
ولكن ما هو الغناء الذي يميل إليه البغداديون في هذه الأيام؟
عندهم فن من الغناء يسمى الأبوذية، وهو في أغلب أحواله غناء حزين، ولكنهم مع ذلك يصطنعونه في الأفراح، والحجاز بين الفرح والحزن حجاز دقيق عند من يعرف أن العراقي حين يطرب قد تجود عيناه بالدمع السخين.
وقد كلفوا في الأعوام الأخيرة بأغاني أم كلثوم، كلفوا بها كلفاً شديداً جداً، وهم يعلنون عن سهراتها في جرائدهم بالمجان. ولشعرائهم في الهيام بأغاني أم كلثوم قصائد جياد.
ولا يبعد عندي أن يدّعوا نسبتها إلى العراق بعد حين، فأم كلثوم فيما يظهر سرقت حنجرتها من الحمائم الموصلية. والله أعلم!
ولم يكن أهل بغداد يطربون لاغاني عبد الوهاب. ولذلك سبب تحسن روايته في هذا الحديث.
كان عبد الوهاب زار بغداد في عهد الملك فيصل، طيب الله ثراه، وكان وقع في غلطة ذوقية ثار لها البغداديون، كان لقيهم بمظهر من الأرستقراطية لا يرتاحون إليه فانصرفوا عن أغانيه كل الانصراف.
ولكن تغير الحال حين رأوا فلم (يحيا الحب) فأحبوه إلى حد الجنون.
ويظهر إن السيدة التي غنت أنشودة البرتقال هي السبب في انجذاب البغداديين إلى عبد الوهاب، فتلك السيدة عراقية الملامح وهي تشبه ليلى في تقاسيم الوجه ورخامة الصوت.
أترك هذا وأنتقل إلى صورة ثانية
قلت مرة إن أنهار العراق مسمكة جداً، فاعرفوا اليوم أن عندهم لوناً من الطعام هو السمك المسقوف.
والسمك المسقوف مشهور جداً في بغداد، وينص عليه في الدعوات كأنه من غرائب الأشياء.
ولكن السمك المسقوف له تقاليد يعرفها أهل بغداد، فهو لا يؤكل في كل وقت وفي كل