مكان، وإنما يؤكل بالليل وفي الفضاء.
وإنما سمي مسقوفاً لأنه يوضع فوق قضبان من الحديد ثم تشب من حوله النار فينضج بالحرارة، كما يصنع من يشوون اللحم في محل (الدهان) إن كنتم رأيتموه.
وفي دجلة جزيرة صغيرة ينحسر عنها الماء بعد الفيضان، وهم يسمونها جزرة، وأهل بغداد يختارون هذا المكان لأكل السمك المسقوف في ليالي الصيف، ويظهر أنه كان مجال اللهو والطرب منذ أجيال طوال، فهو يواجه الكرادة، والكرادة فيما يظن كثير من البغداديين محرفة عن كِلْواذ التي قال فيها أبو نواس:
قالوا تنسك بعد الحج قلت لهم ... أرجو الإله وأخشى طير ناباذا
أخشى قُضيِّب كرم أن ينازعني ... رأس الخطام إذا أسرعت إغذاذا
فإن سلمتُ وما نفسي على ثقة ... من السلامة لم أسلم ببغداذا
ما أبعد الرشد ممن قد تضمنه ... قطرُّ بلٌ فقرى بنَّا فكلواذا
والتي دعا عليها مطيع بن إياس فقال:
حبذا عيشنا الذي زال عنا ... حبذا ذاك حين لا حبذا ذا
زاد هذا الزمان شرا وعسراً ... عندنا إذ أحلنا بغداذا
بلدة تمطر الثراب على النا ... س كما تمطر السماء الرذاذا
خُرِّبت عاجلاً وخرَّب ذو الع ... رش بأعمال أهلها كلواذا
وقد دعيت ليلة لأكل السمك المسقوف في تلك الجزرة، وكانت سهرة لطيفة في ليلة قمراء، ويظهر أن النسيم أراح أعصابي فغلبني النوم ونحن عائدون في السفينة، ثم استيقظت مذعوراً على صراخ النساء فظننت أن السفينة أشرفت على الغرق، ثم ظهر أنها اصطدمت بالارض، فضحكت وحمدت الله على النجاة!
وإنما نصصت على هذه الصورة لتعريفكم بأن لأهل بغداد ألواناً من الطعام تغاير الألوان المصرية، والفرق بعيد جداً بين ألوان الطعام في القاهرة وألوان الطعام في بغداد. والظاهر أن المائدة المصرية الحديثة منقولة عن المائدة التركية، ولا كذلك المائدة العراقية فلها مذاق خاص بأهل العراق، وربما كان لها اتصال بما يتذوق الفرس والهنود.
قد تقولون: ولكن أكل ما تختص به بغداد هو الطعام والشراب والغناء؟