ولم يقع نظري لا في الصباح ولا في المساء على سيدة يونانية تسير وتصحب كلباً أو يتبعها كلب، وإنما يذهبن مجدات إلى محال أعمالهن، ويعدن نشيطات إلى بيوتهن. . قلما رأيت واحدة تلبس حذاء بكعب مرتفع في الطريق، أو تتساهل في ارتداء ملابس لا تتناسب وكل وقت من اليوم؛ ولم يقع نظري على واحدة منهن تساهلت في طلاء وجهها بإسراف، وكثرة النساء اليونانيات ضنينات على العموم بأن يظهرن بمظهر الدمى أو الخلاعة.
والمجتمع اليوناني المشترك هادئ ولا (يلعبون) النرد ولا غيره من ألعاب التسلية المزعجة في الأماكن العامة. وطريقة تحدثهم لطيفة، يستخدمون أيديهم للتعبير أحياناً، ولكن بخفة وهدوء، وقلما يخلو الحديث أو النقاش من نكتة مستحبة مضحكة، ويقرئون الجرائد الخاصة وهم جلوس على المقاهي أو المطاعم أو في الحدائق العامة، ولا يتطفل أحد منهم على جرائد الغير أو ممتلكاته.
المرأة في حدائق زابيون
حدائق زابيون عبارة عن بساتين فسيحة تقسمها شوارع مرصوفة نظيفة، وبها مطاعم ومقاه كبيرة، وتحتوي على (سراي زابيو) نسبة إلى الأخوين زاباس اللذين وهباها للشعب بعد تأسيسها من خمس وخمسين سنة مضت. وبهذه السراي معرض دائم للصناعات اليونانية، من صناعات خزفية وزجاجية منقوشة وملونة باليد، وأقمشة حريرية وصوفية، وأحذية وصور زيتية وخرائط بارزة وغيرها. وبالجملة يعطي هذا المعرض فكرة تامة عن صناعات اليونان الداخلية. وتقوم بالشرح فيه سيدة يونانية.
لحظت أن رواد هذه الحدائق، والذين يجلسون على مطاعمها ومقاهيها لاستماع الموسيقى من طبقة أرقى، فالجمهور المشترك مرتب الهيئة، مهذب العادات إلى حد كبير، تجلس السيدات إلى جانب الرجال من أسرهن في وقار، ويلفت أنظارهن جميعاً مرور الزوار الأجانب ولكن نظرتهم إليهم نظرة صداقة وارتياح.
والمجتمع كله هادئ لطيف المعاملة جداً، يشوش الوجه، قوي النكتة، يغلب على أفراده اللون القمحي، وتختلف الأنوف عن طراز الأنف اليوناني القديم، بينما الذقن والفم، والمنظر الجانبي للوجه لا تزال كلها تحتفظ بالطابع اليوناني الأصيل.
وحركات هاته الفئة من السيدات وملابسهن أنيقة للغاية، والملابس غالية الثمن جداً على