ليس من منطق العقل ولا هو عكس المنطق الناشئ من مبالغات أهل الصنعة المزيفة بل هو منطق الوجدان الذي يعبر عن النفس؛ فإن كل نفس في الحياة تطلب أن تُسْتَثنَى من آلام الحياة وصروفها ومنطق عقل صاحبها يعلم أن هذا طلب محال. فالشعر الوجداني توفيق ويصادف هوى النفس ومنطقها حتى لكأنه يخلق لها سمعاً يصغي إليه وقلباً يطرب له. وقد يكون البيت الواحد منه ألصق بالنفس وأثمن من قصيدة فخمة سواء أكانت من شعر التلدد، أو من الشعر التعليمي المحض المستقل عن العاطفة، أو من شعر الزخارف وألاعيب الذكاء في تبذله ولهوه. أنظر مثلاً إلى أبيات الشريف التي يذكر فيها كيف أنه يدافع الهموم بذكرى النعيم الزائل بينما غيره يدفعها بالخمر أو سماع الأغاني ولكنه يفيق من نشوة الذكرى كما يفيق غيره من نشوة الخمر؛ وهي الأبيات التي أولها:
إذا ضافني هم أمَلُّ طروقه ... ببعض الليالي أو أضيق به صبرا
إلى أن يقول بعد صحوه من الذكرى:
فما كان إلا خلسة ثم أنني ... رأيت يدي مما علقت به صفرا
وهي أبيات ليس فيها خيال غريب ولكن قيمتها في صدق وصف حالة للنفس ووسائلها في تعللها. وللشريف قصائد شهيرة في الإخوانيات قلما تتفق لشاعر آخر في صدق قولها وبساطتها وقربها من النفس وفي مظاهر الوجدان فيها مثل قصيدته في مودة الحب، وهو موضوع قلما يطرقه شعراء العربية عند وصف الحب في أشعارهم، أنظر إلى قوله فيها:
أينعت بيننا المودة حتى ... جَلَّلَتنا والدَّهرَ بالأوراق
أو قوله فيها:
في جبين الزمان منك ومني ... غُرَّةٌ كوكبية الائتلاق